الرئيسية / مساهمة بتوقيع / علاقة التصوير بالقانون نحو عصرنة العدالة

علاقة التصوير بالقانون نحو عصرنة العدالة

مساهمة بتوقيع الاستاذة بن ساسي حياة

من بصريات ابن الهيثم الثورة العلمية نحو تصنيع الكاميرا التي أسست للتصوير..فن وعلم اجتمعا فكان الأثر للتصوير القانوني في الكشف عن الكثير من الحقائق وهكذا زعزعت و تزعزع الصورة ثقافة الكتابة والخيال

تطور موضوع التصوير الفوتوغرافي تطوراً عظيماً في عصرنا الحالي بحيث أصبح بمقدور الإنسان استعمال آلات صغيرة جداً لا تُلاحظ، كما تفنن صناع هذه الآلات بحيث صمموا آلات تصوير بأشكال تمويهية منها ما هو على شكل حقيبة ومنها ما هو على شكل كتاب ومنها ذات عدسات مخفية توضع في الحوائط وخلف الستائر، ومنها ما هو على شكل هواتف محمولة

إن التطورالهائل الذي وصل إليه التقدم العلمي لاسيما في مجال التصوير السمعي البصري كشف عن أدلة جديدة تصلح لإثبات مختلف التصرفات القانونية والوقائع المادية ، ولاشك أن ترك هذه الوسائل بدون تقنين من أهم المشكلات التي تواجه القضاة جراء الصعوبة في التطبيق إضافة الى أن القانون الجزائري لم يذكر نصوص تحدد قوتها في الإثبات بالرغم من معاصرتها للقانون الجزائري وللواقع  والسؤال مامدى استفادة القانون من وسائل التقدم العلمي لاسيما التصوير الفوتوغرافي والسمعي البصري؟

في عام 1885 كان تاريخ استخدام الصورة الفوتوغرافية في مجال القضاء حين قبل القضاء الأمريكي صور فوتوغرافية مقدمة في إحدى القضايا كدليل استند إليه في الحكم ومنذ ذلك الحين بدأ كل من القضاء العسكري والقضاء المدني الأمريكي  يقبل التصوير كوسيلة مؤيدة للأدلة المادية المقدمة أمام القضاء

بالنسبة للدول المتقدمة كان الفرنسيون أول جهة حرفية صورت المتهمين عام 1864 بعد أن كانت الحكومة البلجيكية تعتمد على تصوير المقاسات في تصوير المتهمين وليس على البصمات وكان ذلك عام 1850 وكان تعاون أول مصور مدني مع الشرطة في الولايات المتحدة و هناك أرشيف موجود في الأنترنات للصور الجنائية في الغرب ومدى قيمتها التاريخية مع العلم أن الدول العربية تفتقر الى هذا النوع من الأرشيف.


تطور التصوير الفوتوغرافي تطورا عظيما ولكن الذي يهمنا مامدى حجيته إذا مااستند اليه بعض الخصوم لإثبات مايدعونه؟كدليل إدانة في جرائم الزنا أو أثناء عملية تسويق المخدرات أو تعاطيها أو في جرائم التهريب والرشوة والسرقة التصوير الفوتوغرافي لم يكن معروفا في بداية ظهور الإسلام كما لم يعاصره فقهاء المسلمين ولم يوجد في كتب هؤلاء أحكام تجيز أو تمنع الأخذ بالتصوير كدليل في أدلة الإثبات في الدعوى الجنائية . و يجب التنبيه إلى خطورة الأخذ بالصور الفوتوغرافية كدليل مستقل ضد المتهم، لأن ذلك يعمل على إشاعة القلق والرعب بين الناس وعدم الاطمئنان على أسرارهم وعوراتهم، وهذا أمر يُنافي روح الشريعة الإسلامية ومقاصدها.

ان المادة 65مكرر 5من القانون رقم 06-22 مؤرخ في 20 ديسمبر 2006 التي تناولت اعتراض المراسلات وتسجيل الأصوات والتقاط الصور تجيز لوكيل الجمهورية المختص أن يأذن بالتقاط صور لشخص أو عدة أشخاص يتواجدون في مكان خاص في جرائم عددتها المادة على سبيل الحصر وكذلك مانصت عليه المادتان 65 مكرر 9 و65 مكرر 10 من نفس القانون.

كان انتزاع الإعتراف من المشتبه به هو سيد الأدلة خلال كل مجريات التحقيق في سنوات خلت لكن اليوم لم تعد العدالة والمصالح الأمنية المختصة بحاجة الى ذلك لأنها تملك الدليل المادي والعلمي الذي يواجه به المشتبه به للإعتراف بفعلته وبالتالي لم يعد القضاء يعتمد على الأدلة المكتوبة في ظل التحولات التكنولوجية وقنوات الإعلام والإتصال حيث أصبح من الضروري الإعتماد على الصورة القانونية من أجل مسايرة مستوى الأجيال الجديدة إن المعاينة عملية رئيسية في الكشف عن الحقيقة وهي العلامة الفارقة في حل لغز الجريمة وتتلخص في البحث عن شاهد شكلي وموضوعي له وزنه في التحقيق ومن إجراءات المعاينة لكل حادث جنائي أخذ صورة فوتوغرافية عامة

للمكان وكذلك الحال بالنسبة للمعاينة والإنتقال للأماكن حسب  المواد860 و859 ق إ م إ وجميع تدابير التحقيق الأخرى والمادة 863قانون الإجراءات المدنية والإدارية   ولقد أصدر رئيس محكمة الإستئناف لأنغولم في 13/09/2001 أمرا كان البعض من منطوقه كالتالي …..نأمر ونقول أن القائم بالمعاينة يباشر تسجيلات بواسطة كاميرا رقمية عن كل التحريات ويسلم نسخة من هذا التسجيل الذي يودع لدى كتابة الضبط

الخبــــــــــــرة والتصـــــــــــــــــــــــوير

يجوز للقاضي  حسب المادة 126 ق إ م إ  من تلقاء نفسه أو بطلب من أحد الخصوم تعيين خبير أو عدة خبراء من نفس التخصص أو من تخصصات مختلفة. والمادة لم تحدد نوع العلم أو الفن وجاءت على المطلق مامعناه حرية القاضي أو المتقاضي في طلب خبرة من خبير مختص في التصوير إذا لزمت القضية ذلك  مع العلم أن قانون الإجراءات المدنية والإدارية الجزائري خول للقاضي الإداري صلاحية اتخاذ جميع التدابير التي تساعد على حل النزاع المعروض عليه من خلال الخبرة التي تبنى على الصور الفوتوغرافية لأن المشرع لم يحدد على سبيل الحصر كما قلنا سالفا العلوم أو الفنون المعنية من خلال نص المادة 858 ق إ م إ وكذلك الحال بالنسبة للمعاينة والإنتقال للأماكن المواد 860 و859 ق إ م إ وجميع تدابير التحقيق الأخرى المادة 863 ق إ م إ .

والملاحظ عمليا الإعتمادعلى الصورة في العديد من الخبرات مثلا الخبرة الطبية في مجال حوادث العمل من خلال التصوير ومدى تأثير الصورة في اقتناع القاضي على تبني الحكم بتعيين خبير مختص لتحديد نسبة العجز في الإصابات الخارجية كبتر الأصبع مثلا وكذلك القاضي الجزائي في الإحاطة الفعلية بمدى خطورة الإعتداءات من خلال ما يقدمه الدفاع من صور تدعيمية وكذلك الحال بالنسبة للخبرات المدعمة بالصور.

ونفس الأمر في قضايا الحجر التي يطلب فيها القاضي بجانب معاينة المريض وفحصة وتحديد مدى قدراته العقلية ارفاق صورة عن الشخص المراد الحجر عليه بالخبرة ،و تكون لتقارير الخبرة المرفوقة بالصور في المواد العقارية أهمية قانونية في تحديد ووضوح الرؤى، وفي الكثير من الأحيان يعتمد الخبير العقاري على الصور كبداية للقيام بالخبرة العقارية فيما يخص رسم المخططات الخاصة بالقسمة وفي جرائم التعدي على الملكية العقارية ومدى حجية الصورة  في توثيق عملية التعدي في القضايا الإستعجالية.

ان الصورة الفوتوغرافية أو التسجيلات بواسطة كاميرا يتيح الوصف الدقيق والمفصل للأماكن المتنازع عليها حيث نكون أمام نتائج حقيقية خاصة في النزاعات العقارية وحقوق الإرتفاق والعمران خاصة وأن الخبرة في هذه المنازعات تستغرق وقتا طويلا وفي كثير من الأحيان تكون نتيجتها غير ملمة ومبهمة وتليها خبرة تكميلية ويبقى الحال على ماهو عليه لكن لو توجهنا الى استخدام الوسائل السمعية البصرية لتمكنا من توفير الوقت والمال اللذان أنهكا المتقاضين ويتعدى الأمر الى أهمية التصويرفي تحديد المتسبب في حوادث المرور وتقييم الأضرار المادية للمركبات التي من خلالها يتم تقييم نوع الضرر وتحديد التعويض خاصة في التأمين الشامل الذي يشترط تصوير المركبة وللتصوير دور  في تسجيل المخالفات الواقعة على مستوى الطرقات.

التصوير الجنائي:

إن أول عمل تقوم به فرق الشرطة العلمية في الميدان هو الصورة حيث تعتبر من أهم الخطوات باعتبار أنها إحدى الأدلة المقدمة للقضاء لذلك تم تخصيص مصلحة لذلك .يذكر أن التصوير الجنائي يعد واحدا من آليات العمل الميداني التي تتقاطع فيها دوائر العمل بين كل من إدارة المختبر الجنائي وإدارة الأدلة والمعلومات الجنائية.

ان التصوير الجنائي يعمل على إبراز الأدلة، وهو الدور الأساسي له، وربما لا يدع مجالا للطعن. وكثيرا ما التقطت العدسات تفاصيل كثيرة تفيد في مرحلة التحقيق، وكثيرا أيضا ما صادف الخبراء المتخصصون أثناء كتابة تقاريرهم، وهم يراجعون الصور، أن هناك أشياء سجلتها الكاميرا لم تلفت النظر أثناء المعاينة الميدانية.. فمسرح الجريمة يحتاج للأناة والروية حتى يعطي ما في مخزونه، والمصور الجنائي المتخصص هو من يستطيع أن يلم بتفاصيله ومفرداته بدقة تنبىء عن الكثير.
التوثيق المبدئي الذي يقوم به المصور لمسرح الجريمة هو إثبات الحالة، ثم يأتي بعد ذلك التوثيق الدقيق الذي يشير به الخبير المختص فإذا كان هناك كسر في باب أو فتح لخزينة فإنه يتم التركيز عليها وعلى الآثار الموجودة بها، وعلى مظاهر العنف الواقع عليه..

ان المادة 864 ق إ م إ نصت على أنه …عندما يؤمر بأحد تدابير التحقيق يجوز لتشكيلة الحكم أن تقرر إجراء تسجيل صوتي أو سمعي بصري لكل العمليات أوجزء منها والتصوير الجنائي هو أسلوب توثيق مسرح الجريمة مايعني نقل مسرح الجريمة عبر الصور من موقع حدوثها إلى جلسات المحاكمة …صور للجريمة وصور للآثار المرتبطة بها ثم صور تفصيلية لكل أثر وكل ذلك من أجل مساعدة المحققين والمحامين والقضاة في مواجهة المشتبه بهم .

 إن الصورة تستبق جميع الأدلة وتؤرخ لتعاليم الجريمة حتى وان زالت الأثار والدلائل وتبقى شاهدا حيا وبألف كلمة .والملاحظ أحيانا  من خلال مجريات المحاكمة في قضايا الجنايات نجد القاضي مشتتا وكذلك المستشارين والمحلفين وممثل الحق العام والدفاع نتيجة تناقض شهادة الشهود أو التصريحات حول مسألة غاية في الأهمية وقد تكون مفتاح لغز الجريمة وهي واقعة مادية يمكن اثباتها من خلال صورة.

آثار الجريمة تبقى محمية بواسطة الصورة أو التصوير البصري يعود اليه المحقق والمحامي والقاضي ليستنبط منه الدلائل القطعية  من أجل الكشف عن قرينة تفيد في حل لغز الجريمة وقد يتم من خلالها التعرف على المجرم وخبراء التصوير يقدمون العون في مجال تصوير أماكن الجرائم ومواقع الأثار والأدلة المكتشفة خاصة التي يتعذر رفعها من مكان الحادث كما يصورون البصمات تمهيدا لمضاهاتها ،و يمكن إظهار البصمات عندما تظهر البصمة بالأشعة الفوق بنفسجية عندئذ يتم تصويرها واستغلالها لما اعتمدت عليه كدليل إثبات أو نفي .

أيضا يدخل التصوير في التعرف على بقع الدم اذا كانت دما أو غيره عن طريق التصوير الطيفي

دون أن ننسى الدور الحيوي الذي تلعبه كاميرات المراقبة في حل لغز الكثير من الجرائم من خلال التعرف على فاعليها بمواجهتهم بالدليل القطعي النافي للجهالة وعقابهم

ان التصوير عندما لايكون هو الدليل القائم يكون سببا من أجل دليل أخر من خلال الوسائل المستخدمة في هذا المجال كالتصوير بالضوء النافذ والتصوير بالأشعة تحت الحمراء والتصوير بالأشعة فوق البنفسجية والتصوير الضوئي بواسطة أجهزة السكانير والتصوير المجهري .وهناك العديد من الأنواع منها تصوير 360 درجة لمسرح الجريمة لأن التوثيق الجنائي بالتصوير لم يعد يعتمد على نوع واحد بل يشمل مهارات التصوير البانورامي 360 درجة الذي يظهر لنا مسرح الجريمة بشكل متكامل في الموقع وكأننا نشاهد لقطة متحركة بعد معالجتها ببرامج متخصصة بصور 360 درجة والأكسسوارات المضافة هي نوع العدسة المستخدمة وهي عين السمكة إضافة الى رأس بانورامي للحامل الثلاثي العادي وبرنامج يختص بالصور البانورامية.

والتصوير أنواع منها التصوير ثلاثي الأبعاد لمسرح الجريمة وذلك بواسطة أشعة الليزرو هي تقنية تعمل بمسح الجريمة دون التدخل في عملها بواسطة ارسال أشعة الليزر لتحديد القياسات وهذه الطريقة تعمل بدقة لأنها تعطي تفاصيل دقيقة عبر برنامج الكتروني يربط الجثة في جرائم القتل بأداة الجريمة وبالأثار المختلفة كالدماء وموقع الإطلاق بناء على موقع الجثة والدماء المتناثرة على الجدار والأرض.. وفي حوادث الحرائق يقوم المصور باتباع خبير الحرائق وتسجيل خطواته بدقة خطوة بخطوة فكلما تم رفع طبقة من مخلفات الحريق تم تسجيلها  لتثبت بداية الحريق ومصدره

‎يجب أن يكون المصور الجنائي مستعدا للتعامل مع مختلف الحالات، ولذلك فان حقيبته تشتمل على عدد من العدسات مختلفة الأبعاد، تصلح لجميع الأغراض، فتجد معه العدسة العادي، المعروفة بـ «النورمال» والتي تستخدم لتصوير المتهمين والمبعدين، كذلك تحتوي حقيبته على عدسة متفرعة الزاوية «الوايد» لتصوير الزوايا الضيقة والعمارات الشاهقة، بالإضافة إلى المجموعات الكبيرة من المشتبه فيهم.. وتأتي العدسة الميكرو كعدسة متخصصة للأشياء الدقيقة التي تميز التصوير الجنائي عن  غيره من أنواع التصوير، فهي تستخدم في تصوير أرقام القاعدة الخاصة بالسيارات  كما تستخدم في تصوير الأثار الموجودة والمتخلفة عن الأحداث في مسارح الجريمة، كذلك الآثار والشعارات الموجودة على الجدران، أما العدسة «الزوم» فهي من العدسات قليلة الاستخدام في عمليات التحقيق وتصوير الآثار الجنائية وينحصر استخدامها في التصوير والمراقبة عن بعد.

الصـــــــــــــورة وعصرنة قطاع العدالـــــــــــة

في غرب أستراليا بمحكمة الجنايات يعرض على شاشة كبيرة للقاضي وهيئة المحلفين الفيلم المسجل بمناسبة تدابير التحقيق المأمور بها وإعادة تمثيل الجريمة المرتكبة بالصوت والصورة وفي الوقت الذي تتطلب طبيعة النزاع يترأس القاضي الجلسة بمكان آخر من أراضي الجمهورية ويجري توصيل هذا الأخير مباشرة مع قاعة المحكمة بوسائل الإتصال السمعي البصري .

ان الذي يزور المحاكم الفيديرالية بالولايات المتحدة الأمريكية –واشنطن العاصمة- يلتمس الدور الذي تلعبه وسائل الإعلام السمعي البصري في ادارة قطاع العدالة.

في فرنسا بتاريخ 3يوليو 2003 تم الإتفاق والتوقيع حول الإتصال الإلكتروني بين القضاة والمحامين بشأن الإجراءات  ضم كلا من مدير الخدمات القضائية بوزارة العدل  ورئيس محكمة باريس من جهة ونقيب المحامين من جهة أخرى وقرر حافظ الأختام وزير العدل أنه بإمكان القضاة في علاقتهم مع زملائهم في قطاع العدالة اسنخدام وسائل السمعي البصري .

 والجزائر في حديثها ونهجها لعصرنة قطاع العدالة يستلزم عليها أن تحذو حذو الدول التي رعت ودعمت البحث العلمي واستخدمته في تسهيل حياة مواطنيها خاصة في قطاع هو أساس الملك .العصرنة تسابق الزمن وللأسف كثير من الحقوق تستدعي الحق في استعمال الوسائل الحديثة من خلال تملكها وتكوين اطاراتها وتنظيم دوارات تكوينية لكل الشركاء في قطاع العدالة من أجل تجسيد عصرنة العدالة دون بقاء هذا الشعار مجرد شعار.

المراجـــــــــــــــــع :

قانون الإجراءات المدنية والإدارية

قانون الإجراءات الجزائية

مجلة المحكمة العليا السنة 2010 العدد 01

المجلة الأمنية العدد الرابع 1433هجري كلية الملك فهدالأمنية 2009.

جريدة المشوار السياسي

جراريس 04/03/2008

الفجر 29/03/2008

المساء 27/20/2010

جريدة الراية الإثنين 8 سبتمبر 2014

المساء 27/20/2010

محاضرة من تنظيم اتحاد كتاب وأدباء الإمارات  ..جاسم العوضي يسرد تاريخ التصوير الجنائي

بقلم  أ . بن ساسي حياة

عن المحامي