الرئيسية / مساهمة بتوقيع / القانون في ومواجهة جائحة كوفيد 19

القانون في ومواجهة جائحة كوفيد 19

 مساهمة بتوقيع الاستاذة بن ساسي حياة

     الوباء المنتشر اليوم في كل العالم المسمى فيروس كورونا كوفيد -19 عبارة عن فصيلة كبيرة من الفيروسات التي قد تسبب المرض للحيوان والإنسان  ومن المعروف أن عددا من فيروسات كورونا تسبب لدى البشر حالات عدوى الجهاز التنفسي التي تتراوح حدتها من نزلات البرد الشائعة إلى الأمراض الأشد ضراوة مثل متلازمة الشرق الأوسط التنفسية والمتلازمة التنفسية الحادة الوخيمة (السارس).  

      إن هذه الأمراض المعدية في الغالب تنتقل من فرد إلى آخر من خلال طرق العدوى المعروفة في المجال الطبي ،ومن أهم هذه الأمراض المعدية نجد مرض الأيدز وهو مرض فقدان المناعة المكتسبة ويعود بداية اكتشاف هذا المرض إلى منتصف الثمانينات، ومرض السارس الذي يعود إكتشافه إلى سنة 2003 وحمى الأنفلوزا المختلفة التي ظهرت منذ 2008 مثل انفلونزا الطيور ، انفلونزا الخنازير .

 

       الموضوع يتعلق أساسا بالأمراض الوبائية المعدية وتحديدا كوفيد 19- والنصوص القانونية المتعلقة بها من حيث تنظيم الجانب الوقائي ووجوب التقيد بالإجراءات الوقاية والسلامة و تسيير الأزمة والوباء حال وقوعه ،ولأن الجزائر مثلها مثل بقية دول العالم أصابتها الجائحة كان لزاما طرح هذا السؤال

.

هل نجح المشرع على المستويين الدولي والوطني  في مواكبة تكنولوجيات طرق انتشار الأمراض الفيروسية المعدية حفاظا على الأمن الصحي ؟  وهذا ما سنحاول الإجابة عليه بإتباع المنهج الوصفي والمنهج المقارن من خلال التطرق لبعض الجزاءات المترتبة عن مخالفة القوانين في بعض الدول   .

 

      إن إنتشار هذا الوباء الخطير في العالم ظهر في أول مرة في مدينة  يوهان الصينية في ديسمبر/كانون الأول 2019 وانتشر وتزايدت أعداد الوفيات يوميا ما جعل الدول تبادر إلى إتخاذ إجراءات للوقاية للتحكم في الوضع وتفعيل القانون بالنظر لمخرجات هذا المرض الخطير ومن هذه الإجراءات الحجر الصحي والعزل الصحي مع منح الأسبقية في الحماية الصحية والوقاية من الأمراض المعدية ومكافحتها  للسكان المعرضة حياتهم والمصابون الذين يشكلون مصدرا للعدوى هؤلاء من حقهم علاجا استشفائيا أو حر ا وكذلك الحال بالنسبة للأشخاص المتصلون بالمرضى الذين من حقهم المرافقة الطبية والصحية كما يمكنهم تلقي علاجا وقائيا.   

 

       والحجر الصحي (quarantine) هو إجراء يخضع له الأشخاص الذين تعرضوا للمرض المعدي، سواء كانوا مصابين أو المشتبه بإصابتهم ،وبمناسبة الحجر الصحي يُطلب من الأشخاص المعنيين البقاء في المنزل أو في  مكان آخر تحدده الجهات المختصة منعا لإنتشار المرض والعدوى ولرصد آثاره على المصابين والمشكوك بإصابتهم بهذا الوباء حفاظا على صحتهم جميعا.  

أما العزل الصحي (isolation) فهو إجراء أكثر حرصا يستفيد منه الأفراد الذين يعانون من المرض المعدي، والذين قد يتسببون في نقله بسهولة للمحيطين بهم وفي العزل يبقى هؤلاء الأفراد منفصلين عن بعضهم البعض وعن الأخرين  عادة داخل مركز أو وحدة للرعاية الإستشفائية الصحية، ويكون لدى الشخص المعزول غرفته الخاصة، ويتخذ القائمون على الرعاية الصحية احتياطات معينة للتعامل معه، مثل ارتداء ملابس خاصة وأقنعة وقفازات واقية  .

      والمسؤول عن فرض قرار الحجر أو العزل قانونا هي وزارة الصحة سواء كان الإجراء داخل المستشفى أو حتى داخل المنازل وهنا يجب على المواطنين الالتزام بقرار الحجر أو العزل مع العلم أنّ  الحجر قد يكون جزئيا أو كليا.

 

      وحسب القانون رقم 85-05 مؤرخ في 16 فبراير 1985  يتعلق بحماية الصحة وترقيتها  فإن الرقابة من تفشي المرض المعدي تكون بحرا أو برا أو جوا وفي الحدود والمطارات والمواقع ومنافذ الطرق أو السكك الحديدية  من طرف مصلحة الرقابة الصحية التي توضع تحت سلطة الوزير المكلف بالصحة

وتعد من مهام أطباء المصلحة وأعوانها تحرير محاضر في شأن المخالفات المرتكبة طبقا للقانون. وفي خضم ذلك وبمناسبته يكون الطبيب ملزما قانونا بإعلام المصالح الصحية المعنية بأي مرض معدّ شخصّه وإلاّ سلطت عليه عقوبات إدارية تأديبية وجزائية طبقا للمادة 54 من هذا القانون .

وعملا بالاتفاقيات الدولية السارية يتعين حسب المادة 60 من نفس القانون أن يجري على الأشخاص ووسائل النقل وعمالها وحمولاتها القادمين من وطن أجنبي تفشى فيه أحد الأمراض العفنة المعدية فحص طبي ، أو صحي  إن اقتضى الأمر كما يحتم أن تتخذ تبعا لنتيجة هذا الفحص التدابير اللازمة لتفادي انتشار العدوى المحتمل  ويمكن أن يفرض العزل الصحي على الشخص المصاب بمرض معدي أو المظنون إصابته به وكذلك متى دعت الضرورة إتلاف الأشياء والمواد التي انتقلت إليها العدوى ولا يترتب على هذا الفعل أي تعويض .

   ونشير إلى أنّ الاتفاقيات الدولية سواء في المجال الصحي أو غيره  والتي انضمت إليها الجزائر تصبح جزء من القانون الجزائري الداخلي وتسمو عليه بموجب المادة 132:  المعاهـدات الـتي يصـادق عليهـا رئيـس الجمهوريـة،حسـب الشـروط المنصـوص عليهـا فـي الدستور، تسمو على القانون .

ومن الاتفاقيات الدولية في مجال الصحة التي انضمت لها الجزائر نجد
اتفاقية منظمة الصحة العالمية التي تعمل على ترقية الصحة البشرية في جميع الدول من خلال إعلام الحكومات بمختلف الأمراض وطرق علاجها، كما تقوم بتزويد الدول الفقيرة بالأدوية واللقاحات والأطقم الطبية. وأصبحت منظمة الصحة العالمية تعمل كآلية للإنذار المبكر على المستوى العالمي عند ظهور أمراض وبائية جديدة، وتطلق على إثر ذلك تحذيرات وتقارير خاصة حول انتشار

الوباء وطرق الوقاية والعلاج منه.


أما فيما يخص تعاهدات الألفية: ولها ثمانية أهداف تعاهد بخصوصها قادة الدول سنة 2000 بتحقيقها بحلول آفاق سنة 2015، ومن هذه الأهداف الثمانية نجد ثلاثة منها متعلقة بالصحة حيث جاء الهدف الرابع بعنوان تخفيض نسبة وفيات الأطفـال، والهدف الخامس بعنوان تحسين الصّحة الأمومية، أما الهدف السادس فهو بعنوان  مكافحة الأمراض الرئيسية.

    أما بالنسبة للنصوص القانونية الأساسية المنظمة للممارسة الصحية في الجزائر نجد قانون الصحة رقم 05-85 المؤرخ في 16 فيفري 1985 المعدل والمتمم بالقانون رقم 08-13 المؤرخ في 20 جويلية 2008  والقوانين الذين لهم صلة بحماية الصحة في الجزائر على غرار قانون البيئة رقم 03-10 المؤرخ في 19 جويلية سنة 2003

 

 وقوانين العمل على غرار القانون رقم 90/11 المؤرخ في 21 أفريل سنة 1990 والمرسوم التنفيذي رقم 91-05 المؤرخ في 19 جانفي سنة 1991 المتعلق بالقواعد العامة للحماية التي تطبق على حفظ الصحة والأمن في أماكن العمل. وقانون التأمينات الاجتماعية رقم 83-11 المؤرخ في 2 جويلية 1983 المعدل و المتمم بالقانون رقم 11-08 المؤرخ في 5 جوان سنة 2011 .

 

وهناك مراسيم جاءت بمناسبة كوفيد 19- مثل  المرسوم التنفيذي رقم 20-70 مؤرخ في 24 مارس 2020 الذي يحدد تدابير تكميلية للوقاية من انتشار وباء فيروس كورونا (كوفيد-19) و مكافحته المنصوص في مادته 17 الفقرة الثانية  كل شخص ينتهك تدابير الحجر و قواعد التباعد و الوقاية و أحكام هذا المرسوم يقع تحت طائلة العقوبات المنصوص عليها في قانون العقوبات الجزائري.  

في المادة 187 مكرر من القانون رقم 06-23 المؤرخ في 20 ديسمبر سنة 2006  يعاقب بالحبس من شهرين (2) إلى (6) أشهر وبغرامة من 20.000 دج إلى إلى 100.000دج أو بإحدى هاتين العقوبتين فقط،كل من لا يمتثل لأمر تسخير صادر و مبلغ له وفقا للأشكال التنظيمية

مع مراعاة هذه الاستثناءات : يسمح بتنقل الأشخاص لقضاء احتياجات التموين من المتاجر المرخص لها أو لقضاء احتياجات التموين بجوار المنزل ولضرورات العلاج الملّحة أو لممارسة نشاط مهني مرخص به، مشيرا إلى أن كيفيات تسليم التراخيص تحددها اللجنة الولائية المكلفة بتنسيق النشاط القطاعي للوقاية من وباء فيروس كورونا ومكافحته،والتي يرأسها الوالي وتتكون من ممثلي مصالح الأمن والنائب العام ورئيس المجلس الشعبي الولائي وكذا رئيس المجلس الشعبي البلدي للولاية المعنية، وتتمتع بدعم المصالح الإقليمية المختصة للدرك والأمن الوطنيين .

        وكذلك يعاقب الأشخاص الذين يخالفون المراسيم والقرارات المتخذة بحسب المادة 459 من قانون العقوبات بغرامة من 3.000 دج إلى 6.000 دج ويجوز أن يعاقب أيضا بالحبس لمدة ثلاثة أيام على الأكثر كل من خالف المراسيم أو القرارات المتخذة قانونا من طرف السلطة الإدارية إذا لم تكن الجرائم الواردة بها معاقب عليها بنصوص خاصة .

    ومن الجزاءات الصادرة بمناسبة الجائحة فإن كل من يخالف الحجر المنزلي يكون محل متابعة قضائية عقوبتها مابين 3000 إلى 6000 دج أو الحبس لثلاثة أيام فأكثر فضلا عن حجر مركبته أو دراجته بالمحشر .

ولم يقتصر الأمر على حماية الإنسان من جرائم نشر الأمراض المعدية فقط بل تعدى إلى حماية الحيوان الذي قرر القانون عقوبات لمن يتسبب في نشر الأمراض المعدية في أوساط الحيوانات وهذا حسب نص المادة 416 ق ع ج  كل من أوجد أو نشر عمدا أمراضا معدية في الحيوانات المنزلية أو الطيور في أقفاصها أو النحل أو دود القز أو حيوانات الصيد أو الأسماك في البحيرات أو الأنهار ، يعاقب من بالحبس من سنة الى خمس سنوات وبغرامة من 20.000 دج الى 100.000 دج ويعاقب على الشروع كالجريمة التامة.

    إن الحق في الصحة مكرس في القوانين الدولية وعلى سبيل المثال القانون العراقي الذي تناول الجرائم الناجمة عن نقل الفيروس في قانون العقوبات العراقي رقم 111 لسنة 1969 في الفصل السابع منه تحت عنوان  الجرائم ذات الخطر العام : نصت على تجريم ومعاقبة من يرتكب عمدا أو يتسبب بخطئه في نشر مرض خطير وفقا لأحكام المواد 368، 369 لكون مثل الجرائم يمس المجتمع دون أن يقتصر تأثيرها على فرد واحد .

وفي دولة الإمارات العربية المتحدة تحديدا شرطة دبي جاء : يعاقب بألف درهم غرامة جزاء عدم ارتداء الكمامات في السيارة .

وفي تونس تقرر توجيه تهمة القتل الخطأ لكل من يخالف إجراءات الحظر الصحي وينقل عدوى الكورونا لشخص آخر ويتسبب في وفاته.

وفي مصر تقررت إجراءات ردعية ضد مروجى الأكاذيب عن فيروس كورونا و     تطبق أقصى عقوبة على المخالفين تصل للحبس 5 سنوات وغرامة 20 ألف جنيه. وإعمالاً لنصوص المواد 80(د)، و102 مكرر، و188 من قانون العقوبات والتى تعاقب مخالفها بالحبس وبغرامة تصل إلى عشرين ألف جنيه، و النيابة العامة لن تتوانى عن تطبيق القانون ، ردعا لكل مخالف، وحفاظا على المجتمع.

 وكذلك نص المادة رقم 188 : يعاقب بالحبس مدة لا تجاوز سنة وبغرامة لا تقل عن خمسة آلاف جنيه ولا تزيد على عشرين ألف جنيه أو بإحدى هاتين العقوبتين كل من نشر بسوء قصد بإحدى الطرق المتقدم ذكرها أخباراً أو بيانات أو إشاعات كاذبة.

      وفي المملكة السعودية فإن الداخلية جاء في بيان لها إن من يخالف أمر منع التجول  : يعاقب بغرامة 10 آلاف ريال، على أن تضاعف في حال التكرار  .

وأشارت إلى أنه في حال عاد المخالف إلى ارتكاب المخالفة، فيعاقب بالسجن لمدة لا تزيد على 20 يوما. وأضافت أن العقوبة لا تسري على حالات الضرورة القصوى، بما في ذلك الحالات الصحية الطارئة، وفقا لما تحدده الجهة المختصة.

والهروب من الحجر أو عدم الالتزام به أو التهاون في تطبيقه يعتبر جريمة يعاقب عليها قانون العقوبات، حيث نص في مواده القانونية بالحبس 7 سنوات لكل من نشر مرض معد وغرامة 20 ألف ريال .

        وفي قطر يعاقب بالحبس لمدة لا تتجاوز ثلاث سنوات، وبالغرامة التي لا تزيد على عشرة آلاف ريال، أو بإحدى هاتين العقوبتين، كل من تسبب بخطئه في الأمكنة أو غير ذلك من الأشياء والمواد القابلة للتلوث بجراثيم المرض المعدي نشر مرض معد أو وباء. وتكون العقوبة الحبس مدة لا تتجاوز سبع سنوات،وبالغرامة التي لا تزيد على عشرين ألف ريال إذا نشأ عن الفعل موت شخص. كما بين مرسوم بقانون رقم 17/1990 بشأن الوقاية من الأمراض المعدية تعريف المرض المعدي على أنه : كل مرض قابل للانتقال إلى الآخرين من الإنسان أو بواسطة الحيوانات أو الحشرات أو الأطعمة.

 والمصاب: هو الشخص الذي يأوي مسبباً للعدوى بأحد الأمراض المعدية، ولديه مرض ظاهر

        ونصت المادة (21) على أنه: مع عدم الإخلال بأية عقوبة أشد ينص عليها أي قانون آخر، يعاقب على مخالفة أحكام المواد، بالحبس مدة لا تجاوز شهرين وبغرامة لا تجاوز ثلاثة آلاف ريال، أو بإحدى هاتين العقوبتين. وعلى مخالفة أحكام المادتين (15/ 3) و(16) (17) بالحبس مدة لا تجاوز شهراً وبغرامة ألفى ريال أو بإحدى هاتين العقوبتين ويعاقب بذات العقوبات على مخالفة القرارات الوزارية تنفيذاً لأحكام المواد المشار إليها بالفقرة السابقة.  

كل هذه القوانين الهدف منها الحفاظ على الصحة العامة وترقيتها  و حماية حياة الإنسان من الأمراض والأخطاء وتحسين ظروف المعيشة والعمل  بما يضمن رفاهية الإنسان الجسمية والمعنوية وهذا يشكل عاملا أساسيا في تنمية البلاد . ويتأتى ذلك بتطوير الوقاية وتوفير الحماية بما يتماشى وحاجيات السكان .

والملاحظ أن احترام هذه القوانين ساهم مساهمة ناجعة في الحد من الانتشار الواسع لهذا الوباء القاتل مقارنة بالدول التي لم تتصدى للمرض بتفعيل الإجراءات القانونية واحترام إجراءات الوقاية حيث كانت النتيجة خسائر مادية فادحة ونقص في الأموال  والأنفس.

المراجع

قانون العقوبات الجزائري

قانون رقم 85-05 مؤرخ في 16 فبراير 1985 يتعلق بحماية الصحة وترقيتها

المرسوم التنفيذي رقم 20-70 مؤرخ في 24 مارس 2020 الذي يحدد تدابير تكميلية للوقاية من انتشار وباء فيروس كورونا (كوفيد-19) و مكافحته

إيناس عبد الهادي الربيعي، حق الصحة وحقوق الإنسان / الجرائم الواقعة عن نقل الفيروس في القانون ، معهد العلمين للدراسات العليا ، مجلة القانونين العرب، 2020.

أ / كرد الواد مصطفى ، حماية الأمن الصحي رهان الجزائر في الألفية الثالثة، صوت سطيف ، 24/03/2020  .

 موقع اليوم السابع ، الإثنين، 30 مارس 2020  

موقع سكاي نيوز  23 مارس 2020  

وفاء زايد ، موقع الشرق .22 مارس 2020

   

الأستاذة / بن ساسي حياة

 

عن المحامي