مساهمة بتوقيع الأستاذة / بن ساسي حياة
موضوع الحضانة جدير بالدراسة والتحليل لأهميته ولإقترانه بمصلحة المحضون وبناء على المواد القانونية نجد أن سقوط حق الحاضنة بسبب ما هو وارد في الجزء الأول من المادة 66 من قانون الأسرة الجزائري (التزوج بقريب غير محرم) غير مؤسس قانونا وباطل بطلان مطلق
الحضانة حسب قانون الأسرة الجزائري هي رعاية الولد ، وتعليمه ، والقيام بتربيته على دين أبيه والسهر على حمايته وحفظه صحة وخلقا ويشترط في الحاضن أن يكون أهلا للقيام بذلك حسب المادة 62 من قانون الأسرة الجزائري. ولقد أعطى المشرع الجزائري أولوية رعاية الحاضن للأم في المادة 46 المعدلة بالأمر رقم 02-05 المؤرخ في 27 فبراير 2005 من نفس القانون الأم أولى بحضانة ولدها ، لأن النساء وفقا للشريعة الإسلامية أولى بالحضانة من الرجال وهن الأصل في ذلك لأنهن أرفق وأهدى وأشفق إلى تربية الصغار وأصبر على تحمل المشاق وهو الأمرالذي أكده حكم ابوبكر رضي الله عليه على عمر بن الخطاب رضي الله عليه بعاصم ابنه لأمه ، وقال له : ريحها وشمها ولطفها خير له منك
ولقد أجمع علماء التربية على الأهمية البالغة للحضانة في تحديد الملامح الرئيسية لشخصية المحضون وكذلك فعل المشرع الجزائري ولكن غالبا ما تذهب هذه المصلحة ضحية تسبيب الحكم كما جاء في قرار المحكمة العليا يشترط في الأم الحاضنة ولو كانت أما أن تكون خالية من الزواج أما إذا كانت متزوجة فلا حضانة لها لإنشغالها عن المحضون مما يستوجب نقض القرار وهذا غير منطقي لأن الحاضنة إذا توفرت فيها شروط الزواج فكيف تنتفي عنها صلاحية تربية الحاضن ؟
وإذا أخذنا بهذا الرأي معناه أن الحاضنة المتزوجة لا تصلح أن تكون أما لأبنائها من زواجها الثاني أيضا وهذا منافي لفطرتها
وكم من محضون سقط حقه في التربية والرعاية والحفظ وصار غير مستقر نفسيا بسبب فك رباط الأسرة من جهة وبسبب بعده عن حضانة أمه من جهة أخرى، وكم من امرأة ضاقت مرارة الخيارين
إما التمسك بالحضانة وإسقاط التحصين – تحصين نفسها التزوج – وإما التحصين وإسقاط للحضانة ومعها يسقط هدوءها ويسقط معه نجاح أسرتها الجديدة أو نجاح ظاهري و بالمقابل تنامي الكراهية والعقوق
و نص المادة 66 من قانون الأسرة وهي موضوعنا يسقط حق الحاضنة بالتزوج بغير قريب محرم وهو الحكم الذي يتسبب في كثير من الآثار السلبية بالنسبة للمحضون والحاضنة معا، وما أكثرها الأحكام التي صدرت وكان منطوقها إسقاط الحضانة عن الأم بسبب التزوج بقريب غير محرم في حين أن هذا المفهوم خاطئ لا أساس قانوني له طبقا لما هو وارد في القانون المدني وقانون الأسرة الجزائري
لكن بتطبيق المادة أعلاه فإن الأم الحاضنة إذا تزوجت تسقط عنها الحضانة في الغالب خاصة وأن طليقها يسلك هذا المسلك (دعوى إسقاط الحضانة ) ليس حبا في مصلحة المحضون بقدر ما يكون غالبا انتقاما من طليقته ليس إلا، وإذا اختارت الأم الحضانة يسقط عنها التحصين –تحصين نفسها بالتزوج- وهذا ظلم كبير خاصة وأن الرسول (ص) حث على التزوج في قوله صلى الله عليه وسلم : ما بنى بناء في الإسلام أحب إلى الله عز وجل من التزوج خاصة في مجتمع لا يرحم المطلقة
ومن الآثار السلبية أيضا العقوق ،والواقع أثبت أن المرأة المطلقة أو المتوفى عنها زوجها إذا تزوجت وتركت أبنائها بسبب إسقاط الحضانة عنها يتولد لديهم الكره تجاهها وتجاه إخوتهم لأم
أما من الناحية القانونية فإ ن الحاضنة متى تزوجت زواجا شرعيا صحيحا نشأ عن هذا الزواج قرابة مصاهرة طبقا للمادة 35 من القانون المدني الجزائري التي نصت على : يعتبر أقارب أحد الزوجين في نفس القرابة والدرجة بالنسبة إلى الزوج الأخر
إذا تم عقد الزواج يصبح كل زوج قريبا لأقارب الزوج الآخر من الدرجة نفسها وهذه القرابة تثبت بثبوت عقد الزواج طبقا للمادة 35 من القانون المدني والمادة 2 من قانون الأسرة التي تنص على أن الأسرة هي الخلية الأساسية للمجتمع وتتكون من أشخاص تجمع بينهم صلة الزوجية وصلة القرابة إذا الزوج والزوجة تجمع بينهما صلة الزوجية وأقارب الزوجة تجمع بينهم وبين أقارب الزوج صلة قرابة المصاهرة
ويترتب عن قرابة المصاهرة آثار قانونية هامة منها ما تعلق بموانع الزواج وبالتالي القول أن التزوج بغير قريب محرم يصبح منعدم شرعا و قانونا
والمادة 26 فقرة 2 من قانون الأسرة نصت على المحرمات بالمصاهرة وهن فروع الزوجة إن حصل الدخول بها وقرابة المصاهرة تعد واحدة من موانع النكاح المؤبدة حسب المادة 24 فقرة 2 من نفس القانون والمحرمات بالمصاهرة عددتهن المادة 26 من قانون الأسرة .
وهن :أصول الزوجة بمجرد العقد عليها
فروعها إن حصل الدخول بها وهذا هو موضوعنا
أرامل أو مطلقات أصول الزوج و إن علوا
أرامل أو مطلقات فروع الزوج وإن نزلوا
وفروع الزوجة إن حصل الدخول بها هو موضوعنا وفروع الزوجة هن الربائب (بنات الزوجة وبنات بناتها وإن نزلن ) ولا تثبت الحرمة بمجرد عقد الزواج بل لا بد من أن يقترن العقد بالدخول ، فالدخول بالأمهات هو الذي يحرم البنات حسب المادة 26 فقرة 2 أعلاه وهذه المادة تؤكد القول بعدم سقوط الحضانة بسبب التزوج لأن التزوج المقرون بالدخول يصبح شرطا لعدم سقوط الحضانة
و محارم الرجل في الشريعة الإسلامية هن النساء اللاتي لايجوز للرجل من المسلمين أن يتزوج بهن والمحرمات من النساء حددهن القرآن الكريم بشكل مفصل في الأيتين الكريمتين 22 و23 من سورة النساء في قوله تعالى : (حرمت عليكم أمهاتكم وبناتكم وأخواتكم وعماتكم وخلاتكم وبنات الأخ وبنات الأخت وأمهاتكم اللاتي أرضعنكم وأخواتكم من الرضاعة وأمهات نسائكم وربائبكم اللاتي في حجوركم من نسائكم اللاتي دخلتم بهن الآية 23 من سورة النساء
والتحريم حسب الآية الكريمة مقترن بشرطين الأول أن تكون الربيبة في الحجر والربيبة هي ابنة امرأة الرجل حسب مختصر تفسير الطبري صفحة 81 أما معنى في الحجر تحت رعاية وتربية زوج الحاضنة والشرط الثاني الدخول ، والدخول حسب التفسير أعلاه في نفس الصفحة هو النكاح وقيل التجريد والخلوة ، فالدخول بالأمهات هو الذي يحرم البنات حسب الآية القرآنية والدليل من السنة الشريفة رد رسول الله صلى الله عليه وسلم على أم سلمة بقوله : فلا تعرضن علي بناتكن ولا أخواتكن
إذا حسب الشريعة الإسلامية و مواد القانون الجزائري يحرم على الرجل بنت زوجته إذا حصل الدخول بالأم حرمة مؤبدة وبهذا يتحقق قانونا وشرعا بطلان الجزء الأول من المادة 66 ق أ (يسقط حق الحضانة بالتزوج بغير قريب محرم) ، لأنه إذا تزوجت المرأة صار زوجها قريبا بالمصاهرة وإذا حصل الدخول صار محرما شرعا وقانونا
ومعهما تعد عبارة التزوج بغير قريب محرم وعبارة الرجل الأجنبي عن المحضون في حكم العدم و العبارة لا أساس قانوني وفقهي لها
خاصة وأن المادة 66 من قانون الأسرة لم تحدد قرابة معينة كسبب لعدم سقوط حق الحاضنة ويصبح طرحنا صحيحا لأن القرابة أنواع قرابة نسب وقرابة مصاهرة وقرابة رضاع خاصة إذا علمنا أنه من النادر أن تتزوج الحاضنة مثلا من أخ زوجها (قريب بالنسب) إذا طلقت من أخيه
إذا بقراءة المواد القانونية الخاصة بالموضوع من القانون المدني وقانون الأسرة قراءة قانونية بحتة نستخلص أن ما جاء في المادة 66 من قانون الأسرة بخصوص الشرط المسقط لحق الحاضنة التي تتزوج بقريب غير محرم ينعدم وبالنتيجة لا يسقط حق الحاضنة لهذا السبب الذي يعد عديم المعنى ،غير صحيح، وغير مؤسس قانونا ولذلك ندعو المشرع الجزائري إلى إعادة النظر فيه وإعداد مشروع قانون يبطل هذا الشرط المسقط للحضانة الذي فيه ظلم كبير للأمهات الحاضنات اللواتي إذا أردن تحصين أنفسهن بالتزوج أسقطت عنهن الحضانة وأسقطت عن المحضون مصلحته لأنه لاشيئ يعادل رعاية وتربية وعطف الأم مهما توفرت سبل الراحة للمحضون من الغير
وببطلان هذا الشق من المادة 66 يبطل بالنتيجة شرط تمديد الحضانة بالنسبة للذكر طبقا لنص المادة 65 من نفس القانون ….وللقاضي أن يمدد الحضانة بالنسبة للذكر الى 16 سنة إذا كانت الحاضنة أما لم تتزوج ثانية وهنا يطرح التساؤل هل يصح أن نتحدث عن زوج محرم بالنسبة للمحضون الذكر؟
وكذلك الحال بالنسبة لما هو وارد في المادة 70 من قانون الأسرة و يصبح قانونا عدم سقوط حضانة الجدة أو الخالة إذا سكنت بمحضونها مع أم المحضون المتزوجة بغير قريب محرم لأنه قريبا محرما بقوة القانون
وهذا ما ذهب إليه الحسن البصري وهو قول ابن حزم الظاهري وحججهم في ذلك الحديث الذي رواه أنس رضي الله عنه قال قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة وليس له خادم فأخذ أبو طلحة بيدي وانطلق بي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : يا رسول الله إن أنس غلام كيس فليخدمك قال فخدمته في السفر والحضر وإن أنسا كان في حضانة أمه ولها زوج وهو أبو طلحة بعلم رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو لم ينكر ذلك ، وكذلك أم سلمة لما تزوجت برسول الله صلى الله عليه وسلم لم تسقط بزواجها حضانتها لإبنتها
لذلك ندعو المشرع الجزائري ومعه كل المهتمين بقضايا الطفل والمرأة وحقوق الأسرة إلى تبني هذا الطرح القانوني وإعداد مشروع قانون إبطال الجزء الأول من المادة 66 من قانون الأسرة وبالتبعية إبطال الشرطين الواردين بالمادتين 65 و 70 من نفس القانون .
بقلم /أ. بن ساسي حياة