موضوع خاص بالحيازة مدعم بقرارت المحكمة العليا
في مستجدات, مقالات قانونية
تعريف الحيازة :
لم يتطرق المشرع الجزائري لا في القانون المدني ، ولا في التشريعات الخاصة
لتعريف الحيازة ، ولكنه اقتصر على النص عليها في المواد 808 إلى 843 من
القانون المدني، و بالتفصيل في الفصل الثاني – طرق اكتساب الملكية- ، من
الباب الأول -حق الملكية- ، من الكتاب الثالث – الحقوق العينية الأصلية- ، كما
نص عليها في المواد من 524 إلى 530 من قانون الإجراءات المدنية.
و يجمع الفقه على أنها وضع مادي ، به يسيطر الشخص فعليا على العقار
وبذلك فهي ليست حقا عينيا ولا حقا شخصيا ، وإنما هي واقعة مادية تحدث
آثارا قانونية من جملتها ،أنها سبب من أسباب كسب الملكية العقارية ، فقد
عرفها الفقيهان كولان وكابيتان بأنها ” سلطة فعلية يمارسها الشخص على
شيء تظهره بمظهر صاحب الحق ” ، وعرفها الدكتورعلي علي سليمان بأنها
” سلطة فعلية يمارسها شخص على شيء يستأثر به ، ويقوم عليه بأفعال
مادية تظهره بمظهر صاحب حق ملكية ، أو حق عيني آخر على هذا الشيء ” .
فالحيازة واقعة مادية تنشأ عن سيطرة الشخص على شيء أو حق بصفته
مالكا لهذا الشيء أو صاحب الحق عليه و بالتالي هل كل شخص يوجد العقار
تحت سيطرته المادية حائزا أم لا ؟
وللإجابة على ذلك نتطرق إلى أركان الحيازة :
أ / -الركن المادي :
ويقصد به السيطرة على الشيء محل الحيازة ، بحيث يصبح الشخص متمتعا
بسلطة مباشرة الأعمال المادية على غرار الأعمال التي يقوم بها المالك على
ملكه ، وتختلف هذه الأخيرة بإختلاف طبيعة الشيء المحاز، فقد يكون عقارا أو
منقولا شريطة أن تكون كافية للدلالة على الحيازة و مطابقة للحق الذي يدعيه الحائز .
فإذا كان صاحب عقار وجب عليه القيام بالأعمال المادية المخولة له من
إستعمال الشيء واستغلاله والإنتفاع به ، و إذا كان صاحب حق عيني آخر
وجب عليه أيضا القيام بالأعمال التي يباشرها صاحب هذا الحق عادة ، كالمرور
بالنسبة لحائز حق الإرتفاق .
كما تتحقق الحيازة بالإشراف الفعلي للحائز على الشيء سواء كان ذلك بنفسه
أو بالوساطة ، فقد تكون السيطرة المادية على الشيوع .
ب/- الركن المعنوي :
إن السيطرة المادية لا تكفي لقيام الحيازة لدى الحائز ، إذ يجب أن تقترن هذه
الأخيرة بنية التملك وظهور الحائز أمام الملأ بمظهر صاحب الحق على محل الحيازة .
و كان هذا الركن محل جدال فقهي أسفر نظريتين :
*النظرية الشخصية : نادى بها الفقيه سافيني ، إذ ترى أن الحيازة الصحيحة هي
قائمة على الركنين المادي والمعنوي معا .
*النظرية المادية : ترى أن الركن المادي مستغرق بالركن المعنوي ، وأن نية التملك
تتحقق في الأعمال المادية .
*ويرى الفقيه أهرنج أن الحيازة القانونية يجب أن تكون الأعمال المادية فيها والتي
يسيطر بها الحائز على الشيء ، أعمالا إرادية قصدية و لو كانت لحساب غيره .
–لقد أخذ المشرع الجزائري على غرار المشرع الفرنسي والمصري ، بالنظرية
الشخصية في الركن المعنوي كقاعدة عامة ، وإستثناء بالنظرية المادية في
حالتين وهما :
الحالة1 المستأجر
لقد أجاز المشرع للمستأجر أن يرفع بإسمه جميع دعاوى الحيازة في حالة
التعرض المادي الصادر من أجنبي، إذ نصت المادة 487/1 من القانون
المدني على ما يلي : ( لا يضمن المؤجرللمستأجر التعرض الصادر من أجنبي
والذي لا يستند على حق له على العين المؤجرة ، وهذا لا يمنع المستأجر
من أن يطالب شخصيا بحق لمن تعرض له بالتعويض ، وأن يمارس ضده
جميع دعاوى الحيازة ) ، و جاء في قرار المحكمة العليا الصادر
بتاريخ 26/11/90تحت رقم 62465
أنه ( من المستقر عليه قضاء أن للمستأجر الحق في ممارسته شخصيا
دعاوى الحيازة ضد من تعرض له ، و من ثم فإن القضاء بما يخالف هذا
المبدأ يعد مخالفا للأحكام القضائية المعمول بها… ) .
وهنا نتساءل كيف يمكن للمحكمة العليا أن تعتبر حق المستأجر في دعاوى
الحيازة ضد من تعرض له إجتهادا قضائيا مع وجود نص قانوني صريح .
و تجدر الإشارة إلى عدم قبول دعوى الحيازة التي يرفعها المستأجر ضد المالك
لأن العلاقة بينهما تستند إلى عقد إيجار ، فأساس الدعوى والحكم فيها هو
العقد وليس الحيازة ، كما أن قبول دعوى الحيازة في هذه الحالة فيه مساس
بقاعدة عدم الجمع بين دعوى الحيازة ودعوى الحق .
الحالة 2 إسترداد الحيازة
تنص المادة 525 من قانون الإجراءات المدنية على مايلي : ( يجوز رفع دعوى
إسترداد الحيازة لعقار أو حق عيني عقاري ممن إغتصبت منه الحيازة بالتعدي
أو الإكراه ، وكان له وقت حصول التعدي أو الإكراه الحيازة المادية أو وضع اليد
الهادئ العلني ) ،
ونصت المادة 817/2 من القانون المدني على أن: (… ويجوز أيضا أن يسترد
الحيازة من كان حائزا بالنيابة من غيره ) .
فنظرا لجسامة الإعتداء الذي يتعرض له فاقد الحيازة من إخلال بالنظام العام
يكفي لقبول دعوى إسترداد الحيازة توافر الحيازة المادية ولو لم تكن بنية التملك .
وحتى تكون الحيازة محلا للحماية القانونية فقد إشترط المشرع فيها أربعة شروط
حتى تحضى بالحماية القانونية و بالتالي الحماية القضائية
-1- الإستمرار:
نصت المادة 524 من قانون الإجراءات المدنية على ما يلي: ( ..فيما عدا دعوى
استرداد الحيازة ….و استمرت هذه الحيازة لمدة سنة على الاقل.. ) .
وعليه فإشتراط إستمرار الحيازة لمدة سنة كان من أجل الوصول بالحيازة إلى
حالة مستقرة جديرة بالحماية ولا يجوز الإعتداء عليها .
ومعنى إستمرار الحيازة أنه يتعين أن تتوالى أعمال السيطرة المادية على الشيء
في فترات متقاربة منتظمة أي أن تكون مستمرة غير متقطعة ، فيستعمل الحائز
الشيء في كل وقت تقوم الحاجة إلى إستعماله على نفس المنوال الذي يستعمل
فيه المالك ملكه عادة ، أما إذا مضى بين العمل والآخر وقتا طويلا لم يستعمل فيه
الحائز الشيء ، فإن الحيازة تكون في هذه الحالة متقطعة وبالتالي لا تصلح سندا
لدعاوى الحيازة ، ولا يجوز الإستناد عليها كسند للملكية .
ويجب ألا ينقطع الحائز عن إستعمال الشيء إلا الفترة التي ينقطع فيها المالك عادة
عن إستعمال ملكه ، وإستمرار الحيازة لا يعني أن يستعمل الحائز الحق في كل
وقت بدون إنقطاع ، إذ يكفي أن يستعمله على فترات متقاربة منتظمة .
ويختلف الإستعمال المنتظم للشيء بإختلاف طبيعة الشيء، فهناك أشياء تقتضي
طبيعتها إستعمالها في فترات متقاربة جدا كحيازة الأرض الزراعية ، وأخرى تقتضي
طبيعتها أن تستعمل في وقت معين ثم تترك بعد ذلك بدون إستعمال ، كحيازة
المكان الذي تخزن فيه المحصولات الزراعية بعد حصادها ، كما أن عدم إستعمال
الشيء المحاز بسبب القوة القاهرة لا يخل بشرط إستمرار الحيازة ، غير أن هذه
الحيازة تنقضي إذا إستمر هذا المانع سنة كاملة و ترتبت حيازة جديدة وقعت رغم
إرادة الحائز أو دون علمه ، ويكفي لإثبات إستمرار الحيازة خلال مدة سنة إثبات
قيامها في وقــت سابق معين و في الحال كي توجد قرينة على قيامها ، في
المدة الممتدة بين الزمنين وللخلف ضم حيازته لمدة حيازة السلف شريطة أن
توجد رابطة قانونية بين الحيازتين .
-2- العلنية :
يتعين في الحيازة أن تكون علنا يباشرها الحائز على الملأ ،من الكافة أو على
الأقل على مشهد من المالك أو صاحب الحق الذي يحوزه الحائز ، لأن من يحوز
حقا يتعين عليه أن يستعمله كما لو كان صاحبه أي أن يستعمله في علانية
أما إذا أخفى الحيازة على الحائز ولم تكن له نية التملك صارت حيازته مشوبة
بعيب الخفاء فلا تنتج أثرها في إكتساب الملكية بالتقادم ولا في الإحتماء بدعاوى
الحيازة ، وهو ما أكدته المادة 524 من قانون الإجراءات المدنية .
وإذا كان إخفاء حيازة المنقول أمر سهل، فإنه على عكس ذلك بالنسبة لإخفاء
حيازة العقار، لكن مع ذلك يمكن تصور الحيازة الخفية، كحيازة سكن تم الوصول
إليه مثلا عن طريق التسلق دون أن يعرف أي أحد ودون أن يتبين بأن السكن
مشغول .
ولا يشترط في علنية الحيازة أن يعلم بها المالك علم اليقين ، بل يكفي أن تكون
من الظهور بحيث يستطيع العلم بها .
-3- الهدوء :
تكون الحيازة مشوبة بعيب الإكراه أو عدم الهدوء إذا كان صاحبها قد حصل عليها
بالقوة أو التهديد ، وظل محتفظا بها دون إنقطاعهما ، سواء وقع ذلك على المالك
الحقيقي لإنتزاع ملكه منه أو ضد حائز سابق غير المالك لنزع حيازته ، وسواء كان
الشخص الذي إستخدم القوة أو التهديد هو الحائز نفسه أو بواسطة الغير.
أما إذا رفع الحائز التعدي الذي وقع على حيازته فإن ذلك لا يجعل حيازته مشوبة
بالإكراه ، فبزوال الإكراه وإستمرار الحائز في حيازته فإن الحيازة تصبح هادئة خالية
من عيب الإكراه ، وعليه فلا تجدر حماية الحيازة المشوبة بالعنف أو الإكراه المادي
أو الأدبي إلا بعد صيرورتها هادئة فالعبرة إذن ببداية الحيازة .
الوضوح :
فضلا عن توافر الشروط الثلاثة السابقة ، فيجب أن يتوفر في الحيازة شرط الوضوح
بمعنى ألا يشوبها عيب أو لبس ، وهذا العيب ينصب على العنصر المادي للحيازة
بمعني الغموض الذي يكتنف حيازة الحائز نتيجة تأويل نيته في الحيازة لأكثر من
معني مما يثير لدى الغير الشك في حقيقة الحيازة ، وما إذا كان الحائز يحوز لحساب
نفسه أم يحوز لحساب غيره كحيازة أحد الشركاء على الشيوع ، وتمسكه بحيازة
العين لحساب نفسه.
غير أن أفعال الحيازة المادية التي يمارسها في العين تكون من قبيل الأعمال
التي يباشرها الشريك على الشيوع، وفي نفس الوقت تكون أعماله هي نفس
أعمال المالك في الملكية المفرزة ، لكنه يقـوم بـها على
أساس أن باقي شركاء المال الشائع يشتركون معه في الملكية، ففي هذه
الحالة يوجد لبس في حيازة الشريك في الشيوع للعين الشائعة .
الطبيعة القانونية للحيازة :
إختلف الفقهاء في تحديد الطبيعة القانونية للحيازة ، فمنهم من يصفها بأنها
حق ومنهم من يعتبرها مجرد واقعة مادية .
إذ يرى أنصار الرأي الأول بأن حق الحيازة مثله مثل حق الإنتفاع وحق المرور
إلا أنهم إختلفوا حول ما إذا كان هذا الحق عينيا متفرعا عن حق الملكية وحق
الإنتفاع وحق الإرتفاق، أو حقا شخصيا يتطلب وجود دائن ومدين ، وفي كلا
الحالتين فإن الحيازة غير محققة.
بينما يرى أنصار الرأي الثاني أن الحيازة سبب لكسب الحق ، فهي واقعة مادية
بسيطة تؤدي إلى إثبات الحق العيني وكسبه.
فالحيازة إذن لا تستلزم وجود حق من الحقوق، وإنما هي تشترط أن يكون
الشيء محل الحيازة قابلا لأن يرد عليه حق عيني يجوز كسبه بالتقادم ، على
أن يظهر الحائز كالمالك أو صاحب حق عيني على الشيء .
وتجدر الإشارة إلى أنه لا يجوز حيازة التركات أو المحلات التجارية و كذلك
الأموال العامة التابعة للدومين العام ، وهو ما نصت عليه المادة 689 من القانون
المدني بأنه : ” لا يجوز التصرف في أمـوال الدولـة،
أو حجزها، أو تملكها بالتقادم …..” و اكده القرار الصادر بتاريخ 26/04/2000
تحت رقم 196049 ، بينما ترد الحيازة على الحقوق العينية الأصلية كحق الملكية
والحقوق المتفرعـة عنـها ، كحـق الإرتفـاق
و الإنتفاع ، و قد إستثنى المشرع حماية المستأجر في المادة 487/1 من القانون
المدني رغم أن حقه شخصي ، مما يعطيه صفة الحائز العرضي فيحوز لحساب
غيره ويستند في حيازته على سند قانوني يلزمه برد الشيء إلى مالكه فيما
بعد ، سواء كان هذا السند إتفاقيا كعقد الإيجار أو الرهن الحيازي ، أو قضائيا كحكم
الحراسة ، وعليه فإن حيازة المستأجر لا تؤدي إلى كسب الملكية بالتقادم ، كما
أن الحيازة التي يحميها القانون هي تلك التي تنصب على العقار دون المنقول لأن
قاعدة الحيازة في المنقول سند الملكية ، لهذا تختلط دعوى الحيازة في المنقول
بدعوى الحق.
2018-11-15