كلام في الدفع بعدم الدستورية
في مساهمة بتوقيع
مساهمة بتوقيع الاستاذ عابد نعمان
كلام في الدفع بعدم الدستورية
ينصرف كلامنا الى موضوع مهم جدا وقد اشرنا اليه سطحيا ما يتبادر لذهن المنشغل
بالقانون لأول مرة.
المادة 188 من الدستور الجزائري المنصوص عليها لأول مرة في التعديل الجديد والتي
تتضمن دون تعليق -الدفع بعدم الدستورية كصيغة جديدة و دون ان نتطفل على
اختصاص ذويه وبعد إذنهم
المادة 188 (جديدة) : يمكن إخطار المجلس الدستوري بالدفع بعدم الدستورية بناء
على إحالة من المحكمة العليا أو مجلس الدولة، عندما يدعي أحد الأطراف في المحاكمة
أمام جهة قضائية أن الحكم التشريعي الذي يتوقف عليه مآل النزاع ينتهك الحقوق
والحريات التي يضمنها الدستور. تحدد شروط وكيفيات تطبيق هذه الفقرة بموجب
قانون عضوي.
وفي انتظار صدور قانون عضوي ينظم تفعيل هذا النص الدستوري قمنا ببحث في
الانظمة المقارنة عن الرقابة القضائية حول دستورية النص التشريعي بشيء من
الاطلاع دون ان يرقى مقالنا الى مرتبة البحث او التطبيق الميداني وهذا شيء طبيعي
جدا لان النص الدستوري حديث العهد بالولادة لم تتكمل إجراءات تسجيله حتى يكون
مفعلا وفاعلا
زملائي زميلاتي
بمراجعة طفيفة الكل يعرف ان الدستور هو مجموعة القواعد التي تحدد طبيعة وشكل
الدولة ونظامها السياسي وثوابتها وتحدد السلطات التي تنطوي تكون السلطة العامة
لها وكيفية سيرها والفصل بينها وتحدد مهامها وكذا شروط المترشح لها انتخابا او تعيينا
وتحدد ايضا الحقوق والحريات العامة للأفراد والواجبات المفروضة ايضا وكذا تحدد ثوابت
هذه الدولة ورمزها وعلمها كما انها تحدد المبادئ القانونية العليا في التشريع والتجريم
والعقاب هذا على العموم دون تدقيق او تخصيص وتعتبر قواعده قواعد سامية تتربع أعلى
درجة في الهرم التشريعي للدولة وعلى إثرها تكون القواعد التشريعية التي تليها والتي
يجب ان لا تخالفها وهذا كما هو معروف التشريعات العضوية وكذا التشريعات العادية
والتشريعات الفرعية وفق مبدأ تدرج القوانين بحيث لا يمكن لقاعدة الدنيا ان تخالف القاعدة
العليا .
ولكن ما هو الضمان الذي يشكل صمام امان لضمان سلامة القواعد القانونية وعدم
اصطدامها ببعضها ؟
الضمان هو ما يعرف بالرقابة على دستورية القوانين والتي تعرف بconstitutionnalité des lois
ويفسر على انه وجوب تطابق واتفاق التشريعات الفرعية والعادية مع القواعد الدستورية العليا
من قبل جميع السلطات وعلى راسها السلطة التشريعية ثم السلطة التنفيذية فيما تعلق
بمراسيمها حتى يتم ضبط السلطات وضمان عدم انتهاكها للدستور
وقد عرفت الجزائر في تشريعاتها السامية منذ الاستقلال رقابة سياسية لضمان عدم دستورية
التشريع بأنواعه وذلك بإنشاء هيئة مستقلة عن القضاء وعن الحكومة وعن البرلمان بغرفتيه
يضطلع بمهمة الرقابة الدستورية وفق مهام وتركيبة نوعا ما بشكل غير موسع وبطريقة
بحيث كانت رقابتها وقائية سابقة لصدور القانون اي انه كانت تعرض عليها القوانين قبل
صدورها في ايطار مشاريع قوانين او اقتراحات قوانين وكذا عرض المسودة قبل المصادقة
للإضفاء الرقابة الدستورية عليها قبل نهائيتها إلى غاية صدور الدستور الحالي 2016 والتي
بموجب المادة اعلاه تم توسيع الرقابة فأصبحت ايضا ذات اثر بعدي على تشريع قائم وكذا
من الناحية النوعية اضاف الرقابة القضائية عن طريق الدفع كما اننا نتحفظ على هذه التسمية
– الرقابة القضائية -نظرا لان سلطة الفصل في دستورية القوانين لازالت في يد هيئة مستقلة
تسمى المجلس الدستوري وهذا يعني في رأينا اننا امام رقابة مختلطة فنتقيد بالإجراء
القضائي فنسميه الرقابة عن طريق الاجراء القضائي وهذا هو بيت القصيد في مقالنا ولكن
هذا لا يمكننا من الحديث قليلا عن الرقابة القضائية والدولة التي كانت سباقة بكثير في هذا
الصدد وحتى نوضح اكثر ان الرقابة القضائية تكون امام محكمة قضائية مختصة كما يعرف
في بعض النظم المحكمة الدستورية العليا
التجربة الامريكية في الرقابة القضائية
التجربة الأمريكية في الرقابة على دستورية القوانين , من أقدم التجارب وأكثرها ثراء وأبعدها
تأثيرا” , وقد ظلت هذه التجربة طوال القرن التاسع عشر وبدايات القرن العشرين التجربة
الوحيدة في الرقابة على دستورية القوانين , إلى أن بدأت في أوربا عقب الحرب العالمية
الأولى.. وبعد ذلك بدأت في الانتشار الواسع في النصف الثاني من القرن العشرين , ويكاد
الفقهاء يجمعون على أن الدستور الأمريكي لم ينظم الرقابة على دستورية القوانين ولم يتحدث
عن مثل تلك الرقابة صراحة في نص من نصوصه , ولكن في المقابل لا يوجد في نصوص
الدستور الأمريكي ما يفهم منه صراحة أو ضمنا” الحيلولة بين القضاء ومثل هذه الرقابة بل
إن في الدستور ما يشجع على الأخذ بها ومن ذلك أن ( م 6 / 2) من الدستور الأمريكي
الصادر عام 1787 التي تنص (( هذا الدستور وقوانين الولايات المتحدة ستكون هي القانون
الأساسي للبلاد والقضاة في كل البلاد سيتقيدون بذلك بصرف النظر عن أي حكم مخالف
في دستور الولاية أو قوانينها )) فضلا عن نص ( م 3 /2) من نفس الدستور التي تتحدث
عن الاختصاص القضائي التي جاء فيها (( أن الوظيفة القضائية تمتد إلى كل القضايا المتعلقة
بالقانون أو العدالة التي تثور في ظل هذا الدستور ))
هذان النصان من نصوص الدستور الأمريكي وان كانا لا ينظمان وسيلة معينة لمراقبة دستورية
القوانين إلا إنهما بغير شك يفتحان الباب عن طريق التفسير أمام المحاكم للنظر في مدى
اتفاق القوانين الصادرة مع الدستور
ويعد النظام القضائي الأمريكي أكثر النظم القضائية قوة في العالم , وتنهض أسس هذه القوة
على حقيقة أن المحاكم الأمريكية تفسر القانون وأن للمحكمة الحكم النهائي في تفسير
الدستور , وقد مارست المحكمة منذ عام (1803) سلطة المراجعة القضائية أي سلطة إعلان
عدم دستورية أحد القوانين
والمقصود بأحد القوانين هو قانون القضاة الاتحادي لعام (1789) الذي قضى بعدم دستوريته
القاضي (جون مارشال) في القضية المشهورة ( ماربوري ضد ماديسون ) والذي أصبح قرار
الحكم بعدم دستورية القانون سابقة قضائية أخذت المحكمة العليا على عاتقها الرقابة على
دستورية القوانين , وتتلخص قضية عدم دستورية قانون (القضاة الاتحادي) أنه عندما خسر
الحزب الاتحادي , الديمقراطي حاليا , الانتخابات عام (1800) وفاز بها الحزب الجمهوري
الذي كان يدعو إلى تقوية سلطات الولايات على حساب السلطة الاتحادية , قلق الاتحاديون
على مصير الاتحاد فسارعوا في عام (1801) قبل تخليهم عن مناصبهم إلى تعيين قضاة
يؤمنون بالفكرة الاتحادية وفي مقدمتهم القاضي ( مارشال) رئيس المحكمة الاتحادية
العليا , وعندما تسلم الرئيس (جيفرسون) مهام منصبه أمر وزير الداخلية (ماديسون)
بصرف النظر عن تعيين بعض القضاة الذين لم تصدر أوامر تعينهم بعد , ومن بينهم القاضي
(ماربوري ) فأسرع الأخير إلى المحكمة الاتحادية العليا طالبا تطبيق الباب الثالث عشر
من قانون القضاة الاتحادي لعام (1789) الذي كلف فيه الكونغرس المحكمة الاتحادية
العليا بإصدار أوامر إلى الأشخاص العاملين في الخدمة المدنية الأمريكية وطلب (ماربوري)
إصدار مثل ذلك الأمر إلى وزير الداخلية , إلا أن المحكمة الاتحادية العليا رفضت طلبه لأنه
يخالف الدستور ومبدأ الفصل بين السلطات , وأعلنت المحكمة استنادا” إلى الفقرة الثانية
من المادة الثالثة من الباب الثاني من الدستور أن الباب الثالث عشر من قانون القضاة
الاتحادي غير دستوري
وتنوعت صيغ المنتوج القضائي في القول بدستورية القوانين او عدم دستوريتها
امر قضائي وهذا من خصائصه عموما حسب التجربة الامريكية انه وقائي يحق لكل فرد ان
يلجأ للقضاء من اجل وقف تنفيذ القانون المخالف او النص المخالف بموجب امر قضائي
وهذا من قبيل المهاجمة حسب رأي الفقه
La Procédure de Jugement déclaratoire صيغة اخرى وهي شبيهة بصيغة فحص المشروعية
بحيث يمكن للفرد ان يلجأ للقضاء من اجل فحص النص او التشريع محل التطبيق مع مراعات
مبدأ الشخصية في ذلك هل هو دستوري ام لا وهو مختلف عن الاول بحيث يكون الحكم
ذو طابع تقريري تفسيري
التجربة المصرية في الرقابة القضائية على دستورية القوانين
عرفت مصر الرقابة على دستورية القوانين منذ زمن بعيد , فقد أصر مجلس الدولة منذ إنشائه
في عام (1946) على حقه في إجراء هذه الرقابة دون نص خاص يبيح له ذلك . وفي عام
(1969) أنشأت في مصر لأول مرة محكمة خاصة للرقابة الدستورية والتي كانت تجري عن
طريق الدفع حيث يتقدم به صاحب المصلحة أمام محكمة الموضوع فإذا رأت أن الدفع جدي
وان هناك شكوكا” جدية حول دستورية النص الذي يراد تطبيقه أوقفت الدعوى أمامها
وحددت للخصم صاحب المصلحة مدة معينة يرفع الدعوى خلالها أمام المحكمة العليا .
ثم صدر دستور عام (1971) فانشأ المحكمة الدستورية العليا وأصبحت هذه المحكمة
الامتداد الطبيعي للمحكمة العليا وتأسيسا”
اختصاصات المحكمة الدستورية العليا
للمحكمة اختصاصات متعددة خصها القانون دون غيرها بذلك
1- الرقابة القضائية على دستورية القوانين واللوائح.
2- الفصل في تنازع الاختصاص بتعيين الجهة المختصة من بين جهات القضاء أو الهيئات ذات
الاختصاص القضائي وذلك إذا رفعت الدعوى عن موضوع واحد أمام جهتين منها ولم تتخل
إحداهما عن نظرها أو تخلت كلتاهما عنها.
3- الفصل في النزاع الذي يقوم بشان تنفيذ حكمين نهائيين متناقضين صادرا” أحدهما من أية
جهة من جهات القضاء أو هيئة ذات اختصاص قضائي والآخر من جهة أخرى منها. …. المادة 29
من قانون المحكمة الدستورية العليا المصرية رقم 48 لسنة 1979
وتتولى المحكمة تفسير النصوص والقوانين الصادرة من السلطة التشريعية والقرارات بقوانين
الصادرة من رئيس الجمهورية وفقا لأحكام الدستور , إذا أثارت خلافا” في التطبيق وكان لها
من الأهمية ما يقتضي توحيد تفسيرها….المادة 30من قانون المحكمة الدستورية العليا
المصرية رقم 48 لسنة 1979
ويجوز للمحكمة في جميع الحالات أن تقضي بعدم دستورية أي نص في قانون أو لائحة يعرض
لها بمناسبة ممارسة اختصاصاتها ويتصل بالنزاع المطروح عليه وذلك بعد إتباع الإجراءات
المقررة لتحضير الدعوى الدستورية….المادة 31 من قانون المحكمة الدستورية العليا
المصرية رقم 48 لسنة 1979
ويجب أن يتضمن القرار الصادر بالإحالة إلى المحكمة الدستورية العليا أو صحيفة الدعوى
المرفوعة إليها وفقا لنص المادة (29) بيان النص التشريعي المطعون بعدم دستوريته, والنص
الدستوري المدعى بمخالفته وأوجه المخالفة وفق نص المادة 26 من قانون المحكمة
الدستورية العليا المصرية رقم 48 لسنة 1979
لو قمنا بمقارنة التجربة الامريكية والتجربة المصرية نجد ان التجربة المصرية رغم انها من
حيث شكلها نجد انها قضائية بحتة بحيث تتولى المحكمة الدستورية العليا الرقابة القضائية
على دستورية القوانين واللوائح على الوجه التالي:
1- إذا تراءى لإحدى المحاكم أو الهيئات ذات الاختصاص القضائي أثناء النظر بإحدى الدعاوى
عدم دستورية نص في قانون أو لائحة لازم للفصل في النزاع أوقفت الدعوى وأحالت
الأوراق بغير رسوم إلى المحكمة العليا للفصل في المسألة الدستورية.
2- إذا دفع احد الخصوم أثناء نظر دعوى أمام إحدى المحاكم أو الهيئات ذات الاختصاص
القضائي بعدم دستورية نص في قانون أو لائحة , ورأت المحكمة أو الهيئة أن الدفع جدي
أجلت نظر الدعوى وحددت لمن أثار الدفع ميعادا” لا يجاوز ثلاثة أشهر لرفع الدعوى بذلك
أمام المحكمة الدستورية العليا , فإذا لم ترفع في الميعاد اعتبر الدفع كان لم يكن وفقا
المادة 25 من قانون المحكمة الدستورية العليا المصرية رقم 48 لسنة 1979
اذن بإمكاننا ان نستخلص ان الرقابة القضائية كانت بصيغتين تختلفان عن الصيغة الامريكية
بحيث ان يمكن رفع دعوى تسمى بالدعوى الدستورية كما يمكن ايضا حسب تقديم دفع
فرعي يتوقف على اثره الفصل في النزاع المبني عليه النص محل الدفع
ما هو ملاحظ في النص الدستوري الجزائري :
اولا:ان الصيغة التي جاءت بها المادة 188 من الدستور الجزائري هي صيغة قضائية لما بعد
تشريع القاعدة وهذا يعني انه ليس وقائي وانما علاجي يتصدى للنص بعد صدوره اثناء
التطبيق وهذا ما تفسره كلمة -المحاكمة –
ثانيا : المادة 188 من الدستور الجزائري حافظت على طبيعة الهيئة الفاصلة في الدفع
المعروض لديها كهيئة مستقلة وبنفس التركيبة رغم ان طبيعة الصيغة الاجرائية التي
بموجبها يتم الدفع هي قضائية بحتة وهذا دليل على انتهاج التجربة الجزائرية نهج مختلط
ثالثا : المادة 188 من الدستور الجزائري استبعد نظرية الدعوى المباشرة للإلغاء النص
التشريعي واستبعد ايضا نظرية الفحص في دستورية النص وتبنى نظرية وحيدة على
صيغة الدفع ذات الاثر اللاغي دون ان يصفه هل هو دفع موضوعي ام شكلي دون ان يسميه
وفي رأينا لا يمكن للقانون العضوي اعطاء تسمية جوهرية لصيغة دستورية وهذا في نظرنا سهو
رابعا : المادة 188 من الدستور الجزائري جاءت حصرية جدا في دور المحكمة العليا ومجلس
الدولة بكلمة ……اخطار….واحالة …..
وهذا ما جلعنا نصل الى ملاحظة دون الدخول في تفاصيل لا نريد استباق الاحداث فيما يخص
اتجاه المشرع الجزائري او التجربة محتملة التبني وما إلى ذلك ولكن نتقاطع في ان المشرع
الجزائري تحفظ كثيرا في عملية توسيع دائرة الرقابة لتشمل الشق القضائي ونكتفي
بتسميته كشق لا غير مع احتفاظه بالهيئة الرقابية السياسية من حيث التشكيلة ومن
حيث الجهاز
ونذكركم زملائي زميلاتي دون ان يرقى مقالنا للبحث العميق الذي هو من اختصاص ذويه
سوى انه لفتة انتباه فقط بعيد عن التنظير
الاستاذ عابد نعمان
2017-05-03