الجذور الفكرية لحقوق الانسان
في حقوق الانسان, مساهمة بتوقيع
الجذور الفكرية لحقوق الانسان
ان حقوق الانسان مرتبطة بوجوده و رافقت حياته وهو جنين و بعد ولادته رافقت تطوراته في المرحلة
الابتدائية الى عصور تحضره و هي سابقة للتنظيم الاجتماعي و السلطة السياسية.
و عندما تطورت حياته المدنية و الاجتماعية و اصبح لا يعيش لوحده فارتبط مع غيره بالعقد الاجتماعي
الذي صان حقوقه التي قامت الى جانب قيام الدولة و نظمها القانونية الساهرة على رعاية شؤونه و ان
تلك الرعاية هي سبب قيامها و مبرر وجودها و هي نتيجة للعقد الاجتماعي و تنوب عن الناس كافة و تتحول
الحقوق الطبيعية الى حقوق مدنية.
و ان الفلاسفة كانوا و ما يزالون يتساءلون هل ان الدولة اسست سعيا وراء العدالة و تحقيق الاهداف السامية
ام انها بنيان اصطناعي و لا تستجيب لحاجات الناس و حقوقهم و مصالحهم بل هي الاداة الضرورية لتنظيم ما
يحيط حياتهم من حقوق و مصالح و ضمانات و تحل القوانين محل الحكمة و العقل التي كانت تساهم قبل ذلك
في انصافه ثم تولتها الدولة التي تقوم على سطوة القوانين التي تستند الى الحرية و المساواة و العدل
و القوانين الوضعية بالذات وضعت لإصلاح الاخطاء الخلافات و التجاوزات و احقاق الحق و مع تطور حياة
الانسان و تدرجها في سعيها الى اكمال و مع سمو الفكر السياسي و ارتقائه بالدولة لتصبح جامعة للعديد
من الشعوب و صهرهم في بوتقة واحدة كما هو الشأن بالنسبة لقيام الدولة الاسلامية التي امتدت من
حدود الصين الى اواسط اوروبا و كانت كل هذه الرقعة تعتبر دار الاسلام التي لا حدود فيها و لا قيود وهي
تعتمد عبر التخوم الاسلامية شرقا و غربا تنصهر فيها الاعراق و الالوان لتحقق بذلك الدولة العالمية في
اسمى اشكالها و ارقى مبادئها بينما في اوروبا في بداية نهضتها اتجهت عناية الفلاسفة و المفكرين الى
كيفية بناء الدولة التي تقام على الاسس الدستورية و القانونية و لمعت في ساحة الفكر اسماء
“هوبزو لوك” و”جان جاك روسو” الذي وضع كتاب العقد الاجتماعي عام 1763 و قال بان العقد الاجتماعي
الذي جعل الناس يتنازل كل واحد منهم على جزء من حقوقه الى مجموعة التي تكون المجتمع مقابل
حمايته لما تبقى له من حقوق .
فالعقد الاجتماعي عنده هو المنشئ للسيادة او السلطة و هو المكون للشعب كشخص معنوي و الذي
انتقلت اليه السلطة بتنازل الافراد ثم بعد ذلك تلت نظريات على اثر توجيه النقد للعقد الاجتماعي فكانت
بعد ذلك نظرية حقوق الا فراد و نظرية القانون الطبيعي و نظرية تحديد الذاتي للسيادة و نظرية التضامن
الاجتماعي التي اسسها ان الانسان المدني بطبعه و لا يستطيع ان يعيش الا ضمن جماعة و يتواصل الى
اشباع حاجته عن طريق التضامن و التعاون مع الافراد الاخرين و كانت هذه النظريات اساسها لنهضة
فكرية و سياسية غيرت نظم الحكم في اوروبا و اتجهت الى العناية بحقوق الانسان سيما بعد اعلانها على
اثر وقوع الثورة الفرنسية لعام 1789 التي اعلنت بان السيادة كلها مركزة في الامة و كل هيئة وكل شخص
يتولى الحكم انما يستمد سلطته من الامة و جاء في اعلان الحقوق على اثر صدور الدستور الفرنسي لعام
1793 ان السيادة للشعب و هي وحدة لا تتجزأ و لا يمكن اكتسابها بالتقادم او بالتنازل …ورغم النقد الوجيه
لعدم تجزئة السلطة التي تناقض مبدا فصل السلطات فقد تكرست هذه المبادئ في مختلف الدساتير
الفرنسية مع مرافقها من تعديل فصل السلطات التنفيذية و التشريعية و القضائية عن بعضها و قد امتد
اثرها الى خارج فرنسا و بدأت نظرية التفويض الاهي و بعبارة اخرى سلطة الملوك المطلقة و التي تسود
العالم المسيحي تبدو عاجزة عن التبرير القانوني للسلطة لأنها تستبعد الفرد و حقوقه و المجتمع
و استحقاقاته وتكرس الاستبداد وقد ادت الى قيام الثورة الفرنسية التي كانت منعطفا تاريخيا ارتقت
بحقوق الانسان من مجرد الوعظ و الاماني و اللجوء الى الحكمة و العقل فتحولت الى اعلانات و عهود
و حقوق مكتوبة ملزمة و هي حقوق مدنية او حقوق فردية و هي تهدف الى حماية الانسان و حفظ
كيانه و تحرير مواهبه و هي ترتكز على حق المساواة و حق الحرية التي تستتبع حريات عديدة مدونة
في العهود و المواثيق الدولية و حقوق سياسية بقصد اشراك المواطنين في السلطة التي تحكم البلاد
و التي ترتكز على حق الترشيح و حق الانتخاب و حق تولي الوظائف و خلاصة القول هو ان تمتع الانسان
بحقوقه يتوقف على نوع النظام السياسي و مدى استجابته لمتطلبات هذه الحقوق و لمدى اشتماله
على الضمانات التي تحميها من الانتهاكات و التجاوزات التي قاومتها الشعوب حتى توصلت الى استخلاص
حقوقها فكان لا بد من توضيحات و ثورات تسعى الى و ضع حد لسلطان الحكم المطلق.
و النضال من اجل ذلك واجب لكونه الالية الحاسمة و الجديرة بإنهاء تهميش الانسان و منعه من
ممارسة حرياته بمفهومها الواسع و حقوقه الثابتة التي لا يمكن منعه من استحقاقاتها و التمتع بها
و قد ذهب الى ذلك بيان استقلال الامريكي الذي حرره توماس جيفرسون و صدر بتاريخ 1776 و قد
جاء فيه اننا نتمسك بهذه الحقائق لتكون غنية عن البيان ان الناس خلقوا متساوين و انهم منحوا
من قبل خالقهم حقوقا معينة لا يمكن ان تسلب و ان من بينها حق الحياة و الحرية و السعي لبلوغ
السعادة و لضمان الحقوق تأسست الحكومات بين الناس مستمدة سلطتها العادلة من رضى المحكومين .
و كانت هذه المبادئ المعلنة في حقوق الامريكية و الفرنسية قد احدثت تقدما كبيرا في ميادين
الفكر و اتجاهاته السياسية و الاجتماعية و الاقتصادية و اتجهت انظمة الحكم بعد ذلك الى الديموقراطية
التي اصبحت الشكل السياسي الوحيد الملائم و الذي بني على ارادة الشعوب و مشاركتها.
فحقوق الانسان السياسية و المدنية هي ركائز التي يقوم عليها النظام الديموقراطي الذي يتوقف على
واجب الدولة و حرصها على ضمان المحافظة على الحقوق و حمايتها بل يجب ان تعمل على ازدهارها
و على شموليتها و على كل ما من شانه ان يؤمن خدمة الفرد و اسعاده و توفير العدل و الامن له.
ومنذ الاعلان الامريكي و الفرنسي تطورت حقوق الانسان و رغم ان لكل حضارة مفهومها قد يكون
خاصا بثقافتها الا ان التقارب الذي حدث بين الامم بعد الحربين العالميتين في اطار عصبة الامم
و الامم المتحدة ازكى الاهتمام بها و تركزت المساعي على تطويرها و توحيد مناهجها و معايرها
و توصلت تلك الجهود الى اصدار الاعلان العالمي لحقوق الانسان عام 1948 و ما تبعه بعد ذلك من
مواثيق و عهود و اتفاقيات و مدونات قد اضافت اجيالا اخرى من حقوق الانسان كالحق في التنمية
و التضامن و الاتصال و البيئة و الحق في الاختلاف عن الغير و لم تعد حقوق الانسان تقف على
عتبات الحقوق المدنية و السياسية بل تجاوزتها الى الحقوق الاقتصادية و الاجتماعية و انماط كثيرة
من الحقوق التي اصبحت تجاري نمو الوعي بهذه الحقوق التي تربط الانسان منذ وجوده و ترافق
حياته و متطلباته وعلاقاته الاجتماعية.
مساهمةبتوقيع الاستاذ النقيب الوطني السابق محمد مهري
2015-06-01