الرئيسية / مستجدات / بحث شامل حول العقود التوثيقية

بحث شامل حول العقود التوثيقية

بحث شامل حول العقود التوثيقية

الخطة البحث
مقدمة
الفصل الأول: تنظيم عملية شهر العقود التوثيقية
المبحث الأول: مفهوم العقد التوثيقي المشهر
المطلب الأول: مفهوم الشهر
المطلب الثاني: مفهوم العقد التوثيقي
المبحث الثاني: إخضاع العقد التوثيقي للشهر
المطلب الأول: شروط إخضاع العقد التوثيقي للشهر
المطلب الثاني: آثار الشهر
الفصل الثاني: سلطة القاضي في إبطال العقد التوثيقي المشهر
المبحث الأول: مدى جواز الطعن في العقد التوثيقي المشهر
المطلب الأول: حجية العقد المشهر ( التصرف المشهر )
المطلب الثاني: مقتضيات إبطال العقد التوثيقي المشهر
المبحث الثاني : رفع دعوى الإبطال أمام القضاء
المطلب الأول: الجهة القضائية المختصة
المطلب الثاني: ضرورة شهر الدعوى العقارية الرامية إلى إبطال العقد التوثيقي المشهر
خاتمة

مقدمة

نحن نعلم أن الجزائر أخذت بنظام الشهر العيني بعد أن كانت تأخذ بنظام الشهر الشخصي، ولعل هذا ما أدى إلى

بروز العديد من المشاكل نظرا لعدم التحكم في ضوابط الشهر من جهة، ولجهل المواطنين شروط التعامل في

العقارات من جهة أخرى، إذ أن العديد لا يزالون يتعاملون بوثائق عرفية بدل السندات الرسمية في نقل أملاكهم

العقارية، هذا ما انجر عنه منازعات كثيرة طرحت أمام القضاء، مما جعل القضاء يحسم الموقف ويفرض الرسمية

كشرط للانعقاد في التصرفات المنصبة على العقارات(1).

هذه الرسمية التي يستمدها العقد من إرادة المتعاقدين الودية أي من خلال انصرافها أمام هيئة مخول لها قانونا

إضفاء هذه الصبغة الرسمية نظرا لافتراض القانون فيها العدل و المشروعية، ألا وهو الموثق، مما يجعل هذه

العقود في منأى عن كل طعن كونها تحوز حجية مطلقة لا يجوز الطعن فيها إلاّ بالتزوير، والأكيد أننا نقصد بالعقد

التوثيقي التصرف المبرم أي «Contrat» غير أن موضوع مذكرتنا لا يقتصر عند هذا الحد، بل يتعداه إلى المحرز

في حد ذاته أي«L’act » ( عندما يتعلق الأمر بالعقد المصرح بالملكية أي عقد الشهرة كما سيأتي بيانه).

وقد كنا نعتقد أن إلزامية الشهر في العقود المنصبة على الملكية العقارية بجميع أنواعها، سيزيد العقد التوثيقي

حصنا على حصن بالنظر إلى ما يرتكز عليه نظام الشهر العيني من أسس متينة و منطقية تتمثل في القوة

الثبوتية للشهر و الأثر المطهر له، هذين المبدأين الذين لا ينتجان أثرهما إلاّ إذا سبقه بحث و تحري في كل ما

يقدم إلى الموظف القائم بأعمال مصلحة الشهر، اللذان يترتب عليهما أن كل حق وارد بعقد أو محرر مشهر هو

موجود بالنسبة للكافة، وبهذا المنطق يصبح الحق المشهر مطهرا من كل الحقوق العالقة به و غير المشهرة،

كما أن التصرف المعيب الذي أدى إلى إشهار الحق لا يؤثر في الحق الوارد بالعقد التوثيقي المشهر إذا ما ابطل

أو فسخ هذا الأخير.

وعليه فالحقوق المشهرة لا يكن المساس بها والطعن فيها لأنها أصبحت حقيقة ثابتة في مواجهة الجميع،

غير أن الملاحظ أن هذه المبادئ وآثارها وما يترتب عليها من نتائج جد مهمة تبقى نظريات و مبادئ مجردة

لا غير، لأنه في العديد من المرات يحدث أن يلجأ أحد المتعاقدين أو ورثته و يطعنون في العقد التوثيقي رغم

إشهاره، لاجئين بذلك إلى ساحة القضاء طاعنين في صحة العقد استنادا إلى عيب معين أو سبب ما دون

أهمية في نظرهم لحجية هذا العقد بعد إشهاره، و أكيد أن هذا الأمر و التناقض الصارخ بين حجية العقد

التوثيقي و آثار الشهر العيني من جهة و بين الطعن في مثل هذه العقود من جهة أخرى يجعلنا نتساءل

عن الوضعية الحقيقية للعقود التوثيقية المشهرة ومكانها العملية!

*************

(1)أنظر التعليق على القرار رقم 136156 الصادر عن الغرف المجتمعة بتاريخ 18/02/1997.

الاجتهاد القضائي للغرفة التجارية والبحرية، عدد خاص، ص 41.

*************

هذا ما دفعني إلى اختيار هذا الموضوع و التمسك به إذ أثار إنتباهي على مستوى التربص الميداني في

العديد من المرات الطعون المقدمة ضد هذه العقود بنوعيها سواءا التعاقدية كعقد البيع أو عقود الشهرة

والتي يتم الفصل عادة بإبطالها وفي بعض الأحيان القول بإلغائها، وإن كنت قد اخترت الموضوع من باب

الدهشة و الفضول في البداية إلا أنني بعد دراسة و التعمق فيه أردت الوصول إلى معرفة و تحديد أهم

الأسباب الداعية إلى إبطال هذه العقود التوثيقية المشهرة، وما موقف القضاء من هذه المسألة، وتحديدا

موقف القاضي الابتدائي (على مستوى المحكمة) عندما يطرح أمامه نزاع ينصب حول المطالبة بإبطال

عقد توثيقي مشهر إذ أن أهم أشكال اصطدمت به هو ما فائدة الشهر – إذن – إذا لم يحصن العقود

التوثيقية ضد الطعن، وبالتالي نتساءل عن حجية العقد التوثيقي المشهر و مدى جواز الطعن فيه بالإبطال

، وهل أن الأسباب الداعية لإبطال العقود الناقلة للملكية بإرادتين هي نفسها إذا تعلق الأمر بعقود الشهرة،

وإن كان غير ذلك فما هي أسباب إبطال هذه العقود؟

وهذا ما يجرنا إلى تساؤل آخر عن سلطة القاضي عندما يطرح عليه النزاع ويطالب بإبطال عقد توثيقي

مشهر إذ كيف يتعامل مع النزاع وما هي الحالات التي ينطق فيها بالإبطال دون مراعاة منه لحجية الشهر

ومن ثمة من هو القاضي المختص في مثل هذه النزاعات؟

كل هذه الإشكالات المطروحة حاولت الإجابة عليها من خلال العرض البسيط الأتي بيانه. مع العلم أنه لم

يسبق للباحثين وأن تناولوا هذا الموضوع بهذه الصيغة، وإن كانوا قد أثاروا نقاطا تشترك مع ما نريد

توضيحه، يمكننا الاستعانة بها في البحث الحالي والذي اعتمدنا فيه أسلوب التحليل و النقد أحيانا،

بمعنى تحليل النصوص القانونية الموجودة و محاولة تجسيدها ميدانيا، علما أن الموضوع تطبيقي

مئة بالمئة اعتمدنا فيه خاصة على العديد من القرارات القضائية وحتى أحكام المحاكم

( محكمة مكان التربص).
ولعل كون الموضوع تطبيقي هو ما اعترض سبيلنا و خلق أمامنا صعوبات بالنظر إلى أنه دراسة تطبيقية

تحتاج إلى خبرة القضاة و آرائهم في هذا الميدان، إلا أن المشكل أن القضاة وحتى المتخصصين في

المواد العقارية يختلفون في كثير من الجزئيات هذا من جهة.

إضافة إلى صعوبات مادية تتمثل في قلة المراجع المتخصصة وكذا قلة الدراسات في هذا الموضوع

بالذات، و رغم كل ذلك حاولنا الاستعانة بأهم المراجع في المادة العقارية بصفة عامة، و تجميع أهم

النقاط التي تفيد بحثنا من أجل الوصول إلى إعداد هذا العمل المتواضع الذي حاولنا من خلاله تسليط

الضوء على أهم العقود التوثيقية و تبيان كيفية إخضاعها للشهر، مبرزين في ذلك المقصود بالشهر

وأهميته نظرا لكونه محور البحث الرئيسي و لأنه مجال خصب للعديد من الإشكالات القضائية، ثم في

مرحلة ثانية حاولنا ضبط وتحديد مجال تدخل القاضي وبالتالي مدى سلطته في إبطال هذه العقود

انطلاقا من إبراز مدى حجية الشهر و كذا أسباب إبطالها، مفرقين في ذلك بين العقود الناقلة للملكية

بإراديتين أي التعاقدية والعقود المصرحة بالملكية و تحديدا عقد الشهرة، كونه أحسن و أبرز مثال، إن

لم نقل أنه المثال الوحيد الذي يفيدنا في الدراسة نظرا لانتشاره بسرعة رهيبة في الفترة الأخيرة

و خلقه للعديد من المشاكل العملية ومع ضرورة تحديد القاضي المختص بالنظر في هذه الطعون.

كل هذه النقاط حاولنا إدراجها و التفصيل فيها وفقا للخطة التالية:

من خلال استقرائنا لأحكام قانون الشهر، نجد أن المحررات الخاضعة للشهر كثيرة و متنوعة لتنوع

التصرفات المبرمة بين الأشخاص، فقد تكون التصرفات صادرة عن جانبين كعقد البيع، المبادلة، …

أو نابعة من الإرادة المنفردة كعقد الهبة وكل هذه التصرفات لا ترتب أثرا فيما بين المتعاقدين أو في

مواجهة الغير، إلا منذ تسجيلها أي شهرها في مجموعة البطاقات العقارية، الأمر الذي أكده

المشرع العقاري في المادة 14 من الأمر رقم 74/75 المؤرخ في 12/11/1975 المتضمن إعداد

المسح العام للأراضي و تأسيس السجل العقاري.

و ستقتصر دراستنا على العقود التوثيقية المشهرة بنوعيها نظرا لانتشارهما على الساحة القضائية

بسبب ما يثيرانه من نزاعات، وحتى يتسنى لنا ضبط كل الجوانب المتعلقة بتنظيم إجراءات شهر هذه

العقود ارتأينا تقسيم هذا الفصل إلى قسمين : نتناول في الأول مفهوم كل من الشهر و العقد

التوثيقي وفي القسم الثاني نحدد بدقة إخضاع هذه العقود للشهر ( أي شروط شهرها وما يترتب

عن ذلك من آثار ) وهو ما سنبينه بشيء من التفصيل في المبحثين التاليين :

المبحث الأول :مفهوم العقد التوثيقي المشهر

نجد أن مصطلح عقد توثيقي مشهر ينطوي على نوع من الغموض لكونه مركب من عبارتين عقد توثيقي

و مشهر، وحتى تتضح الصورة في الأذهان وقبل التطرق إلى العقد التوثيقي المشهر في جوانب معينة

– موضوع البحث وحتى نلم بالمفهوم كاملا- نرى أنه من الضروري و بهدف استيعاب مفهوم العقد التوثيقي

المشهر، أن نعرّج أولا على نظام الشهر و تحديد المقصود منه ثم في خطوة ثانية تحديد مفهوم العقد

التوثيقي وذلك في المطلبين التاليين:

المطلب الأول: مفهـــوم الشهـــر

إن الشهر العقاري يعد إجراء ضروريا استلزمته الحياة العصرية لتأمين المعاملات العقارية والقروض الممنوحة

للتعامل في العقارات، فمن يريد التعامل في عقار ما يتعين عليه معرفة ما يثقله من حقوق حتى يكون على

دراية من أمره، وبذلك لا يقدم على التعامل فيه إلاّ بعد التأكد من حالته، اعتمادا على قيده.

و عليه يمكن تعريف القيد على أنه مجموع إجراءات و قواعد قانونية و تقنية هدفها إعلام الكافة بجميع

التصرفات القانونية المنصبة على العقارات سواء كانت كاشفة، منشئة، ناقلة، معدلة أو منهية لحق عيني

عقاري أصلي أو تبعي بغض النظر عن نوع التصرف عقدا كان أو حكما أو قرارا إداريا, وسواء كان مصدرا

الحق تصرفا قانونيا أو واقعة مادية(1)، ويمتد القيد في بعض الأحيان حتى لبعض الالتزامات الشخصية

كالإيجارات طويلة الأمد و المخالصات و الحوالات، وحتى بعض الدعاوى والإجراءات كالحجوز التي تهدد

المراكز القانونية لأصحاب الحقوق المشهرة ونظرا لأهمية الشهر العقاري، سنبين مختلف أنظمة الشهر

المعمول بها .

إذ إن جلّ التشريعات أخذت بنظام الشهر العقاري، غير أنها اختلفت فيما بينها حول نوع النظام، فهناك

من انتهجت نظام الشهر الشخصي و أخرى انتهجت أسلوب الشهر العيني، وكلا النظامين عرفتهما

و أخذت بهما الجزائر على مراحل، وهو ما سنوضحه بدقة فيما يلي:

(1)أ.ليلى رزقي، التصرفات القانونية الواجبة الشهر و الآثار المترتبة عن القيد، مجلة الموثق

لسنة 1998 العدد 5، ص 13.

الفرع الأول: نظام الشهر الشخصي

إن نظام الشهر الشخصي هو نظام يتخذ من أسماء المتصرفين محورا وأساسا ترتكز عليه عمليات

القيد في السجلات. إذ في هذا النظام يتم شهر التصرفات العقارية طبقا لأسماء الأشخاص في

سجلات شخصية، أي مرتبة طبقا لأسماء الأشخاص لا طبقا لمواقع العقارات(1). ففي هذا النظام

ينشأ سجل عام أو سجلات يرصد بها كل تصرف ينشئ حقا عينيا عقاريا، فصاحب المصلحة لا يعرف

من سجلاته إلاّ الشخص الذي تصرف في العقار، غير أن هذه المعرفة لا تفيد حتما معرفة كل ما وقع

على العقار من تصرفات فقد يتصرف المالك الحقيقي في العقار فيسجل التصرف تحت إسمه ثم

يتصرف المالك غير الحقيقي فيسجل التصرف باسمه أيضا، وبذلك يكون التصرفان متفرقين تحت

اسمين مختلفين، وعليـه إذا أراد ذوي الشـأن معرفة ما إذا كان مالك معين قد تصرف في عقار بالبيع

أو الرهن أو غيرهما أي الإطلاع على وضعية عقار ما، ما عليهم إلا اللجوء إلى المصلحة المكلفة

بالشهر و التي يقع العقار في دائرة اختصاصها ويقدم اسم المالك الأصلي حتى يعرف إن كان العقار

لا يزال ملكا لصاحبه و خاليا من الحقوق أم أنه حصل التصرف فيه أو تحميله برهن أو امتياز أو بأي

حق عيني، إذ في هذا النظام يعد الشخص محل اعتبار، إذ يعتمد في إعلان التصرفات على أسماء

القائمين بها(2).

والتصرفات التي تشهر في هذا النظام لا يتحرى عادة عن صحتها بل تشهر كما هي، فإن كانت

صحيحة ظلّت كذلك، وإن كانت معيبة لسبب من أسباب البطلان أو كانت مزورة بقيت كذلك، فالشهر

في هذا النظام طريقة للعلانية فقط وليس سببا لانتقال الملكية أو الحقوق العينية العقارية(3)، فهو

بذلك يجب أن يستند إلى عقد صحيح لا تشوبه شائبة، أما إذا ورد على عقد باطل أو تقرر بطلانه فإنه

لا يكسب المتصرف إليه حقا، لأن الشهر لا يظهر عيوب العقد، فيمكن بذلك استصدار حكم ببطلان

العقد المشهر(4).

ويعاب على هذا النظام أنه لا يعطي المتصرف إليه ضمانا بثبوت الحق المتصرف فيه إليه بصفة نهائية

، بل يعرضه للمنازعة فيه في أي وقت وللحكم بزوال هذا الحق، وبالتالي لا يعطي راغبي التعامل

مع المتصرف إليه تأكيدا بأنه حقيقة صاحب موضوع التصرف المشهر لصالحه(5)، غير أن هذا لا يعني

أن سند الشهر ليست له قيمة، إذ أنه قد يؤدي إلى إضافة تصرفات شخص إلى شخص آخر، لهذا

يمكن القول أن هذا النظام يساهم في وجود حالات بيع ملك للغير، لذلك يتضح أن بيانات الشهر

الشخصي لا توفر الحمايـة لأنها
*********
(1)المستشار معوض عبد التواب، السجل العيني علما و عملا، دار الفكر العربي، طبعة 1988، ص 13.

(2)أ.ليلى زروقي، نظام الشهر وإجراءاته في القانون الجزائري، مجلة مجلس الدولة، لسنة 2002،عدد 2، ص62.

(3)مدحت محمد الحسيني، إجراءات الشهر العقاري، دار المطبوعات الجامعية، الاسكندرية، سنة 1992،ص —

(4)عبد الحميد الشواربي، إجراءات الشهر العقاري في ضوء القضاء و الفقه، منشأة المعارف الاسكندرية سنة1993، ص 4.

(5)د. عبد الحميد الشواربي، المرجع السابق، ص 4.
******
تتعلق بشهر التصرفات كما هي بما يلحقها من عيوب فهو لا يصحح عقود باطلة ولا يكمل العقود الناقصة(1)،

فالموظف المكلف بالشهر في هذا النظام يلعب دورا سلبيا وليس له صلاحيات تفحص العيوب العالقة بالاجراء

أو التصرف، ويمكن لكل ذوي مصلحة الاعتراض على التصرف و طلب إبطاله رغم شهره، وعليه يبقى مكتسب

الحق مهددا إذا كان الشخص الذي تنازل له تصرفه معيبا، أو باع له ملك الغير فلا يحول الشهر دون رفع دعوى

الاسترداد ممن اكتسب التقادم مثلا، ذلك أن شهر التصرف الناقل للملكية لا يضيف شيئا للحق ذاته، فينتقل

هذا الأخير بالعيوب العالقة به، وليس للشهر أثر مطهر ولا قوة ثبوتية(2).

كما أن البحث في السجلات عن حالة عقار معين يقتضي من المعني أن يكون متحققا من المالك الحقيقي

لهذا العقار و عارفا اسمه و اسم أبيه و جده و أسماء المالكين السابقين له الذين تداولوا على هذا العقار،

وهذا ما يتعذر الوصول إليه عادة كونها مهمة طويلة و شاقة.

ومما لا شك فيه أن هذه الجوانب السلبية تعيب نظام الشهر الشخصي و تزيد من حالات التصرف في ملك

الغير، فهو كما سبق القول يعد وسيلة لإعلام الغير بهذا التصرف لتمكينه من استعمال حقه في المعارضة

إلى جانب أنه قرينة على الملكية حتى إثبات العكس، ويمكن السلطات العامة من فرض الضريبة العقارية

على المعاملات.

الفرع الثاني : نظام الشهر العيني

و هو المعروف باسم نظام السجل العيني أو العقاري، فلا يكون الشهر فيها على أساس أسماء الأشخاص

الصادرة منهم التصرفات بل على أساس العقارات ذاتها أي العقار محل التصرف وفيه يمسك سجل خاص

لدى مصلحة الشهر تخصص فيه صفحة أو أكثر خاصة بكل عقار يثبت فيها كل التصرفات التي ترد عليه

مع تحديد موقعه، مساحته، رقمه و حدوده، إذ بمجرد الاطلاع على هذه الصفحة يمكن معرفة تاريخ ملكية

هذا العقار و الملاك الذين تعاقبوا عليه منذ إنشاء السجل و التصرفات التي صدرت من كل منهم ومن المالك

الأخير وما إذا كانت ملكيته تامة و خالية من الحقوق العينية، فهي بمثابة بطاقة تعريفه يسمى هذا

السجل في التشريع الجزائري « مجموعة البطاقات العقارية» إذ تعرف بالحقوق و الالتزامات و الارتفاقات

التي تثقل العقار، فالأشخاص الذين يقومون بالتصرفات لا أهمية كبرى لهم.

ولقد ظهر هذا النظام في أستراليا و عرف باسم مبتكرة « سيروبارتورانس» عكس ما هو عليه بالنظام

الشخصي، فإن العقود الواجبة الشهر في هذا النظام تخضع إلى إجراءات دقيقة و محددة إلى جانب

تفحص الوثائق المقدمة للشهر من طرف الموظف المكلف به إذ خول صلاحية فحص صحة التصرفات

التي

************

(1)د. معوض عبد التواب، المرجع السابق، ص 137.
(2)أ. ليلى زروقي، ( نظام الشهر وإجراءاته في القانون الجزائري)، ص 63.

***********
تقدم للشهر و قبولها أو رفضها، بحيث إذا قبلها و تم شهرها فإن الشهر ذاته يعتبر سند الحق المشهر، فلا

يتأثر هذا الحق بعد ذلك بالطعن في صحة العقد الذي تم شهره(1).

ويحكم هذا النظام مجموعة من المبادئ تجعله يتميز بما يلي:

-اعتبار البيانات الواردة في السجل العقاري تعبيرا للحقيقة و إكساب الحقوق المشهرة الحجية المطلقة

إذ أن المشرع الجزائري أقر مشروعية الشهر بالنسبة للقيد الأول وكذلك بالنسبة للتسجيلات اللاحقة أي

القيود التالية و يظل هذا الافتراض قائما حتى يرد قيد جديد لتصرف جديد أو ببطلان أو فسخ التصرف

المشهر أو بقيد دعوى طعن في التصرف المشهر بالبطلان، يفترض أن القيد الجديد أيضا مشروعا

حتى يرد ما يغيره(2)، فكل من يتلقى حق على أساس ما هو مقيد في السجل العقاري، يعتبر أنه

أقام حقه على أساس مشروع، لهذا على المحافظ العقاري أن يتحقق من كل التصرفات المراد شهرها

بدقة.

2-مبدأ القوة الثبوتية، أي أن التصرفات التي تقيد في ظل هذا النظام هي قرينة قاطعة على الملكية

بالنسبة للعقار أو للحق العيني العقاري موضوع الشهر و يصبح التصرف سليما خاليا من العيوب

مهما كان مصدرها، ويعتبر الحق المقيد موجودا بالنسبة للكافة، وعليه لا يمكن الطعن فيه لا بدعوى

البطلان ولا بدعوى الاسترداد ويكون المتصرف في مأمن من المنازعات(3).

3-يعتبر القيد أو الشهر مصدر الحقوق العينية العقارية، فهو الذي ينشئها ويعد لها أو يزيلها فكل حق

غير مقيد لا وجود له لا بين الأطراف ولا في مواجهة الغير، وكل حق مقيد هو حجة على الكافة، ولا

يمكن لأحد أن يحتج بملكيته لحق عيني لم يشهر مسبقا.

4-عدم سريان التقادم في حق المالك المقيد في السجل العيني، وذلك لتعارضه مع مبدأ القوة

الثبوتية المطلقة، كون الحيازة هي قرينة على الملكية و الملكية ثابتة بالقيد في هذا النظام.

وأهم ميزات هذا النظام تبقى حمايته للمتعاقدين في التصرفات المنصبة على العقارات، لأن كل

حق مقيد يتمتع بحصانة تامة وكل تصرف قبل قيده يخضع لرقابة المكلف بالشهر –كما سبق بيانه-.

ورغم هذه المميزات إلا أن هذا النظام يقتضي مسح عقارات البلد و تحديد موقع كل منها و مساحته

و بيان حدوده و تعيين مالكه تمهيدا لإعطاء كل منها رقما خاصا و تخصيص إحدى صفحات السجل

له، وهذا العمل يقتضي وقتا طويلا و نفقات باهضة إلى جانب رجال متخصصين في عمليات

المسح، كما يعاب عليه أيضا أنه يتسبب في إهدار الحقوق ويمكن أن يكون وسيلة اغتصاب

خاصة بالنسبة للقيد الأول بعد المسح بالنسبة للأراضي التي لم تكن لها عقود.

وبعد تعريف كل من النظامي الشهر الشخصي و العيني، نحدد الأسلوب الذي اتخذه المشرع

فيما يلي:

************

(1)د/عبد الحميد الشواري، المرجع السابق، ص 5.
(2) أمين بركات سعود، آثار القيد في السجلات العينية ( دراسة مقارنة) المجلة القضائية لسنة 1995، العدد 2، ص 58.
(3)أ.ليلى زروقي، نظام الشهر وإجراءاته في القانون الجزائري، ص 63.

***********

الفرع الثالث : النظام المعتمد في الجزائر

لقد عرفت الجزائر أثناء فترة الإحتلال نظام الشهر الشخصي و استمرت في ذلك بعد الاستقلال، حيث

كانت الوثائق الموجودة بمحافظة الرهون العقارية تتميز بنقائص راجعة لعدم وضوح تعيين الأملاك في

العقود المشهرة، إذ لم ينص القانون آنذاك على إلزام جميع الملاك بإشهار حقوقهم العينية، وأمام عدم

وجود نظام عام لمسح الأراضي لم تشمل المخططات الجزائية والوثائق الأصلية المحفوظة لدى

مصالح مسح الأراضي وأملاك الدولة كل القطر الجزائري، وكان التعاقد في تلك الفترة يعتمد على

التراضي فلا يشترط فيه الرسمية و يكفي فيه الشكل العرفي، لكن بدأت تظهر بوادر التغيير بعد

صدور قانون التوثيق سنة 1970 و قانون الثورة الزراعية سنة 1971، والمرسوم المتعلق بإثبـات

الملكيـة الخاصة سنة 1973 والقانون المدني في 1975 ثم الأمر 74/75 المؤرخ في 12/11/1975

المتضمن إعداد المسح العام للأراضي و تأسيس السجل العقاري، إذ بموجب المادتين 15 و 16 منه

أخضع المشرع الجزائري جميع الحقوق العينية العقارية لإلزامية الشهر مهما اختلفت طبيعتها، كما

صدر القانون 90/25 المؤرخ في 18/11/1990 المتضمن قانون التوجيه العقاري للتأكيد على الاتجاه

الجديد لنظام الشهر في الجزائر وذلك تطبيقا لدستور 1989، فبدأ تطبيق نظام الشهر العيني

تدريجيا بتقدم عمليات المسح نظرا للعلاقة الوثيقة بينهما، وهذا لتطهير نظام الملكية في الجزائر

و تحقيق الائتمان في المعاملات في ظل التحولات الاقتصادية التي تعرفها البلاد.

وأوكلت مهمة الشهر للمحافظ العقاري الذي يعمل على تجسيد و ترتيب آثار الحق المشهر ومع ذلك

فإن عمليات المسح العقاري و بعد قرابة الثلاثين سنة من إصدار الأمر 75/74 فإنها لم تشمل

سوى 761 بلدية من مجموع 1541 بلدية منتشرة عبر كافة التراب الوطني(1)، كما أن الدفاتر

العقارية لم تسلم إلا في حدود 334 بلدية، وهذا ما يجعل من مشروع مسح الأراضي مهدد سبب

عدم متابعة الأشغال من قبل البلديات و مصالح الحفظ العقاري.

بعد تحديدنا للمقصود بالشهر و نظامية المتميزين سنحدد مفهوم العقود التوثيقية محل الشهر.

*************

(1)حمدي باشا ، القضاء العقاري في ضوء أحدث القرارات الصادرة عن مجلس الدولة و المحكمة العليا،

دار هومة للطباعة و النشر و التوزيع، الجزائر، طبعة 2002، ص14.
************
المطلب الثاني : مفهوم العقد التوثيقي

يقصد بها تلك العقود التي تصدر عن الموثق بصفته ضابطا عموميا(1)، تتضمن تصرفا معينا، وهي

نوعان : تعاقدية و تصريحية(2).

التعاقدية : تلك التي تنطوي على تقابل إرادتين تنصب على نقل الملكية، أما التصريحية: فهي تلك

التي تثبت أو تقر بالملكية، وأفضل مثال عليها هو عقد الشهرة الذي سنتناوله على سبيل المثال نظرا

لما يثيره من إشكاليات و نزاعات تثار بصدده، وسنتناول هذين النوعين فيما يلي:

الفرع الأول : العقد الناقل للملكية بارادتين (التعاقدي)

هو العقد الذي يصب فيه المتعاقدون إرادتهم المعبر عنها بشريعة المتعاقدين، ويتم بتوافق الإيجاب

والقبول، وكل ما يفيد الرضا سواء الكتابة أو الإشارة ثم تدعيم ذلك بالتوقيع على العقد(3).

يشترط في العقد التوثيقي الناقل للملكية العقارية ما يلي:

-أن يكون العقد محررا أمام الموثق، وهذا حتى تكون له الصبغة الرسمية وفقا لما عبرت عنه المادة

324 ق.م، التي تنص على أن :« العقد الرسمي عقد يثبت فيه موظف عمومي، أو ضابط عمومي أو

مكلف بخدمة عامة ما تم لديه أو ما تلقاه من ذوي الشأن، وذلك طبقا للأشكال القانونية وفي حدود

سلطته و اختصاصه». والعقد التوثيقي تسميته تبين أنه يتم و يحرر أمام ضابط عمومي هو الموثق

الذي يجب أن يكون مختصا إقليميا، أي الموثق الذي يمارس مهامه في مكان تحرير العقد، مع مراعاته

الشروط و الشكليات المقررة قانونا، وبالتالي فالموثق المعزول أو الموقوف أو الممنوع مؤقتا عن

العمل إذا حرر عقدا يقع باطلا من حيث انعدام الرسمية، لكن يمكن اعتباره عقدا عرفيا إذا ما كان

ممضيا من جميع الأطراف(4).

كما يشترط في العقد أن يجسد اتفاق طرفين، أي يعتبره عن تطابق الإيجاب و القبول حول جمع

المسائل الجوهرية في العقد، ويشترط فيه أهلية الطرفين أي بلوغهما سن الرشد المدني أي

19 سنة وعدم الحجر عليهما طبقا للمادة 40 ق.م.

***********

(1)المادة 5 من القانون رقم 88/27 المؤرخ في 12/07/1988 المتضمن قانون التوثيق.

(2)لمزيد من الإيضاح أنظر مقال الأستاذ سباغ محمد، التوثيق و العقود الرسمية، مجلة الموثق

لسنة 1998، العدد 5 ص 21.

(3)عبيد الله مسعود، عدل الموثق و حجية العقد التوثيقي، مجلة الموثق لسنة 1999، العدد 6، ص 33.

(4)سباغ محمد، المرجع السابق، ص 20.

***********

– يجب أن يحدد في العقد العقار-محل التعاقد-تحديدا نافيا للجهالة من خلال تبيان موقعه، رقمه،

مساحته، … مع تحديد أصل الملكية ببيان أسماء المالكين السابقين، وعند الإمكان صفة و تاريخ

التحويلات المتتالية لتفادي التصرف في ملك الغير(1).

مع ضرورة معاينة الموثق للمبلغ المسدد، و الذي نص قانون المالية لسنة 1998 على جعله يمثل

خمس 1/5 ثمن نقل الملكية الواجب دفعه لزوما بين يدي الموثق.

كما يستوجب مراعاة الإجراءات الشكلية المنصوص عليها في المادة 324 مكرر 2 ق.م من توقيع

الأطراف و الشهود وكذا توقيع الموثق المحرر للعقد.

من خلال ما سبق يتضح أن المشرع قد نص على ما يجب أن يتضمنه العقد التوثيقي من معلومات

تتعلق بالأطراف المتعاقدة، وعلى الشكلية و الشروط الواجبة الإتباع في تحرير العقد و التزام الموثق

بضرورة احترامها(2).

– وفي جميع الحالات تحرر العقود باللغة العربية في نص واحد تسهل قراءته بدون اختصار أو بياض

أو نقص أو كتابة بين الأسطر، و تكتب المبالغ و السنة و الشهر ويوم التوقيع على العقد بالحروف

و تكتب التواريخ الأخرى بالأرقام ويصادق على الإحالات في الهامش أو أسفل الصفحات على

عدد الكلمات المشطوبة في العقد بالتوقيع بالأحرف من قبل كل الأطراف و الشهود و الموثق

ما لم ينص التشريع على خلاف ذلك، ويجب أن يبين في العقود إضافة إلى سبق توضيحه:

-إسم ولقب الموثق الذي يحررها و مكان و مقر إقامته.

-إسم ولقب وصفة و مسكن و تاريخ ولادة الأطراف.

-إسم ولقب وصفة و مسكن الشهود.

-إسم ولقب و مسكن المترجم أن اقتضى الأمر ذلك.

-المحل و السنة و الشهر واليوم الذي أبرمت فيه العقود.

-وكالات المتعاقدين المصادق عليها من قبل الأطراف المعنية –إن وجدت-

-قراءة الموثق للفصول المتعلقة بالضرائب و التشريع الخاص المعمول به.

إضافة إلى جواز كتابة الإحالات في الهامش أو في أسفل العقد ويوقعها الأطراف والشهود والموثق

بالأحرف الأولى.

كما نصت المادة 19 من قانون التوثيق على أنه « لا يقبل ضمن العقد أي تحرير أو كتابة بين السطور أو

إضافة كلمات».

تعتبر الكلمات المحررة أو المكتوبة بين السطور أو المضافة باطلة .

***********

(1)حمدي باشا عمر ، نقل الملكية العقارية في ضوء أحدث التعديلات و أحدث الأحكام، دار الهومة،

طبعة 2002، ص 109.

(2)نصت المادة 18 من قانون التوثيق 88/27 على أنه « لا تكون العقود الأصلية أو التي لا يحتفظ

بأصلها تحت مسؤولية الموثق سواء كانت محررة باليد أو بالآلة الكاتبة و مطبوعة أو مستنسخة

بالوسائل و الأجهزة المناسبة».

************

«وفضلا عن ذلك فإن الكلمات المشطوبة تكون بشكل لا يتنازع في عددها ويصادق عليها في آخر العقد»

وتجدر الإشارة إلى أن الفقرة الثانية من المادة 19 رتبت البطلان لعدم احترام الفقرة الأولى من نفس

المادة، في حين نجد أن المشرع سكت عن جزاء عدم احترام الموثق لأحكام المادة 18، ومنه يثور

التساؤل حول الوضع القانوني للعقد التوثيقي المخالف للشكل الذي يشترطه القانون؟.

وبعد الانتهاء من تحرير العقد و توقيعه من قبل الأطراف المتعاقدة والموثق والشهود والمترجم إن

وجد، يحتفظ بالعقد الأصلي ضمن أصول المكتب، وفي حالة توقيع الأطراف على العقد وفقا لما يقتضيه

القانون ثم تراجعوا لاحقا، فإنه لا يمكن تعديل بنود العقد إلاّ بموافقة الأطراف أنفسهم بموجب اتفاق آخر.

كما يعمل الموثق على تسجيل العقد لدى مصلحة الطابع والتسجيل التابع لها مكتب التوثيق إقليميا،

مع إلزام قانون الطابع والتسجيل الموثق بتسجيله جميع العقود في أجل لا يتجاوز الشهر من يوم

تحريره، وفي حالة تأخره يتعرض لعقوبات جبائية، إضافة إلى قيامه بشهر العقود كونها تنصب على

عقارات وذلك حتى ترتب أثرها القانوني. و يبقى الموثق مسؤولا عن مستندات زبائنه ووثائقهم

ويسأل عن كل تلف أو ضياع لها، إذ أنه ملزم بحفظ أصل كل عقد يحرره أو أي مستند يستلمه للإيداع

ضمن أصوله، وكذا مسؤوليته عن الوثائق المقدمة له من زبائنه بالإضافة إلى مختلف العقود التي

يحررها والتي حددها القانون(1).

وإن كل هذه الشروط والشكليات الصارمة أدت بالقانون المدني إلى إعطاء العقد الرسمي قوة

ومرتبة عالية في الإثبات، ولا يقتصر على نظام التوثيق الجزائري فحسب بل هو معمول به في

جميع أنظمة التوثيق اللاتينية، ومن ثمة فإن صفة و مهمة الموثق هي التي تعطي للعقد صفته

الرسمية(2).

إذ يعتبر العقد التوثيقي نافذا في كامل التراب الوطني، يتمتع بقوة ثبوتية و حجية مطلقة بالنسبة

لأطرافه و للغير، فالعقد التوثيقي حجة لمحتوى الاتفاق المبرم بين الأطراف المتعاقدة وورثتهم

وذوي الشأن طبقا لأحكام المادتين 324 مكرر 5 و 324 مكرر6، غير أنه يجب التفرقة بين ما يعاينه

الموثق بنفسه و يحرره إذ يعتبر حجة قاطعة، وبين تصريحات الأطراف التي يتلقاها دون معاينة،

إذ لا تكون إلا بداية إثبات لا غير وبذلك يجوز إثبات عكسها(3).

الفرع الثاني : العقد المصرح بالملكية (عقد الشهرة)

لقد خوّل المرسوم 83/352 المؤرخ في 21/05/1983 الذي يبين إجراء إثبات التقادم المكسب

وإعداد عقد الشهرة المتضمن الاعتراف بالملكية للموثق صلاحية تحرير عقد الشهرة، الذي يعد

من أهم وسائل إثبات الملكية العقارية، إذ أفرد المشرع إجراءات قانونية خاصة لاثبات ذلك، حيث

أجاز لكل شخص يحوز في إقليم كل بلدية عقار لم تشمله عملية مسح الأراضي العام و تأسيس

السجل العقاري المحدث بموجب

***********

(1)أنظر المادة 60 من القانون رقم 88/27 المؤرخ في 12/07/1988 المتضمن قانون التوثيق.
(2)أنظر مقال (لم يشر إلى مؤلفه) بعنوان علاقة القضاء بالتوثيق، مجلة الموثق لسنة 1999، العدد 06، ص 31.
(1)أنظر مقال الأستاذ سباغ محمد، المرجع السابق، ص20.

**********

الأمر رقم 75/74، وكانت حيازته هادئة و علنية و مستمرة غير مشوبة بلبس طبقا لأحكام الحيازة الواردة

بنص المادة 827 وما يليها من القانون المدني وفقا لنص المادة الأولى من المرسوم المذكور أعلاه، أن

يطلب تحرير عقد الشهرة.

وعليه يقدم الطلب من المعني إلى الموثق المختص إقليميا، وهنا تجدر الإشارة إلى أن الموثق أصبح بعد

صدور قانون التوثيق الجديد 88/27 له اختصاص شامل على مستوى كامل التراب الوطني، إلاّ أن المؤكد أن

المادتين 1 و 2 من المرسوم 83/352 حددت الاختصاص المحلي بنصها على أن المواطن المعني يتجه

مباشرة إلى الموثق المسؤول عن مكتب التوثيق المختص إقليما(1)، ونرى أن نص المادتين 1 و2 هو

المطبق عمليا ذلك أن الموثق الذي يقع بدائرة اختصاصه العقار –محل طلب عقد الشهرة- هو المختص

دون غيره.

وعلى الطالب المعني أن يرفق طلبه بمجموعة من الوثائق التي تبين طبيعة العقار محل الحيازة، موقعه

و مشتملاته و مساحته، أي مخطط الملكية المعد من طرف شخص معتمد كخبير عقاري، مهندس معماري

، خبير في القياس، أو مكتب دراسات… إضافة إلى تصريح شرفي بأن الحائز يمارس على العقار حيازة

تطابق أحكام المادة 827 وما يليها من القانون المدني.

ويجب التفرقة في هذه الحالة بين الحائز الذي يمارس حيازته طبقا للقانون المدني القديم

(المادة 2262 ق.م فرنسي)، إذ لا يجوز للموثق إعداد عقد شهرة على أساس أنه يجوز العقار وفقا

للمادة 827 ق.م، بل يبقى خاضعا في حساب مدة التقادم إلى قانون وضع اليد أي القانـون المدنـي

الفرنسي المحـددة بثلاثين سنـة، وهذا عملا بأحكام المادة 7 ق.م التي تنص على أن تطبق النصوص

الجديدة المتعلقة بالاجراءات حالا، غير أن النصوص القديمة هي التي تسري على المسائل الخاصة

ببدء التقادم ووقفه وانقطاعه فيما يخص المدة السابقة على العمل بالنصوص الجديدة، وبذلك يكون

المشرع قد فرّق بين التقادم الذي يبدأ في ظل القانون المدني القديم إذ ينقضي طبقا للمدة المحددة

فيه، أما التقادم الذي يبدأ بعد سريان القانون الجديد فهو يخضع للأثر الفوري للقانون الجديد.

وبعد استكمال الملف و تحقق الموثق من أن الملف المقدم له مستوف للشروط المقررة قانونا، فإنه

يطلب رأي كل من رئيس المجلس الشعبي البلدي لبلدية مكان تواجد العقار محل الطلب، ومدير أملاك

الدولة، وذلك بغرض تحديد ومعرفة الوضعية القانونية للعقار وفقا لما أقرته المادة الثالثة من المرسوم

السالف ذكره، هذين الأخيرين اللذين يتعين عليهما تقديم ملاحظاتهما ورأيهما في ظرف أربعة أشهر

من تاريخ تلقي الملف.

وبعدها يقوم الموثق بتعليق طلب إعداد عقد الشهرة في مقر البلدية و نشره في إحدى الصحف

الوطنية و الجهويـة على نفقة المعني، وهذا قصـد إثارة الاعتراضـات المحتملة التي قد يتلقاها

الموثـق، ومن ثمة

**********

(1)حمدي باشا عمر، عقد الشهرة، مجلة الموثق، سنة 2001، العدد 4، ص 38.

*********

يوجه الأطراف إلى الجهة القضائية المختصة لحل النزاع-وهو ما سنوضحه بشيء من التفصيل في

الفصل الثاني من المذكرة- وعند نهاية الأجل المقرر قانونا للاعتراضات، يحرر الموثق عقد الشهرة

المتضمن الاعتراف بالملكية باسم الطالب، ثم يقوم بشهره لدى المحافظة العقارية، بعد أن يكون

قد سجله-طبعا- لدى مصلحة الطابع و التسجيل.

بعد تحديدنا لمفهوم كل من الشهر و العقد التوثيقي، سنتطرق فيما يلي إلى التزاوج بين

المفهومين، بمعنى آخر إخضاع العقد التوثيقي للشهر وذلك في المبحث الموالي.

المبحث الثاني : إخضاع العقد التوثيقي للشهر

حتى يكون العقد التوثيقي أو أي عقد آخر محلا للشهر يجب أن تتوفر فيه شروط معينة، وبعد

ذلك يتم إشهاره مما يرتب عنه آثارا معنية، سنبينها فيما يلي :

المطلب الأول : شروط إخضاع العقد التوثيق للشهر

يشترط في العقد التوثيقي حتى يتسنى قبول إشهاره على مستوى المحافظة العقارية أن يتوافر

على صفة الرسمية وعلى قاعدة الشهر المسبق أو ما يعرف بالأثر النسبي للشهر.

الفرع الأول : قاعـدة الرسميــة

القاعدة العامة في التعاقد طبقا للقانون الجزائري الرضائية، والعقد الرضائي هو الذي ينعقد بمجرد تبادل

التراضي بين المتعاقدين دون حاجة إلى شكل معين، فيكفي تطابق الإرادتين لإنشاء العقد(1)، غير أنه

استثناء من الأصل يكون العقد شكليا إذا كان الشكل ركنا لانعقاد العقد كما في عقود البيع المنصبة

على العقارات، وعقود بيع القاعدة التجارية…

**********

(1)المادة 59 من الأمر 75/58 المؤرخ في 26/09/75 المتضمن القانون المدني تنص:«يتم العقد بمجرد

تبادل الطرفان إرادتهما المتطابقتين دون الإخلال بالنصوص القانونية».

**********

فهذه التصرفات أوجب المشرع إفراغها في قالب رسمي، و العقد الوارد على العقار لا يرتب أي أثر

حتى فيما بين المتعاقدين إلا من تاريخ شهره بالمحافظة العقارية، فكل عقد محل إشهار يجب أن يقدم

على الشكل الرسمي(1) طبقا للمادة 61 من المرسوم الفرنسي 76/63 المؤرخ في 25/03/1976

المعدل و المتمم المتعلق بتأسيس السجل العقاري، والتي تقابلها المادة 29 من المرسوم الفرنسي

04/01/1955(2).
ويقصد بالشكلية توثيق العقد، وذلك بأن يتقدم أطرافه أمام مكتب التوثيق لافراغ عقدهم في قالب

رسمي أو أمام جهة أخرى منحها القانون صلاحيات تحرير العقود و منحها الطابع الرسمي كمدير أملاك

الدولة باعتباره موثق الدولة، وتعتبر الرسمية بذلك ركن جوهري في التعاقد يترتب عن تخلفه البطلان

المطلق للعقد، وهو ما تشير إليه المادة 324 فقرة 1 من القانون المدني بقولها:«زيادة على العقود

التي يأمر القانون بإخضاعها إلى شكل رسمي، يجب تحت طائلة البطلان تحرير العقود التي تتضمن

نقل ملكية عقار أو حقوق عقارية … في شكل رسمي ».

وقد أكد المشرع على ضرورة توافر قاعدة الرسمية في كل عقد من شأنه نقل أو تعديل أو إنشاء أو

تصريح حق من الحقوق العينية العقارية وعلى كل ما يرد على الملكية العقارية من تصرف، وذلك

عن طريق إثبات هذه التصرفات في عقد (محرر) يحرره موظف أو ضابط عمومي أو شخص مكلف

بخدمة عامة، وتبعا لذلك تكون الأحكام والقرارات القضائية سندات رسمية، والأمر كذلك بالنسبة

للعقود التي يحررها مدراء أملاك الدولة الذين لهم صلاحية بيع أو تأجير أو التنازل عن الأملاك الوطنية

الخاصة طبقا لأحكام القانون 90/30 وأحكام المرسوم التنفيذي رقم 91/454(3).

يعتبر العقد التوثيقي المشهر-محل دراستنا- عقدا رسميا كونه محرر أمام موثق وبالتالي منحه القانون

هذه الصيغة الرسمية، وبالتالي فشرط الرسمية متوافر فيه مما يجعله محلا لعملية الإشهار حسبما

تقتضيه المادة 61 من المرسوم 76/63 المذكورة أعلاه.

واشتراط إخضاع العقود التي تكون موضوع شهر إلى قاعدة الرسمية له أهمية من الناحية العملية،

ذلك أنه يعد حماية للأطراف المتعاقدة وذلك بتنبيههم لخطورة تصرفهم، كما أن تدخل الموثق في

تحريره للعقد يزيد من مصداقية العقد و شرعيته مما يمنحه الحجية الكاملة، إضافة إلى أن إفراغ

التصرف بين يدي الموثق يؤدي إلى احترام الشروط القانونية المطلوبة الخاصة بتحديد أطراف

العقد بدقة و تحديد العقار بصفة نافية للجهالة –كما سبق بيانه في تعريفنا للعقد التوثيقي- وبذلك

يسهل من مهام المحافظ العقاري الذي تناط به مراقبته لهذه الشروط.

***********

(1)أنظر مقال الأستاذ: محمود بوركي، التوثيق والإشهار العقاري، مجلة الموثق، سنة 1998،

العدد 6،ص 28.
(2)-Philippe simler , Philippe Delebecque, Droit civil, les sûretés la publicité foncière, 2eme édition, Dalloz, p614.
(3)أنظر المواد89 – 90 – 91 – 101 من القانون 90/30 المؤرخ في 01/12/1990 المتضمن قانون الأملاك الوطنية، وكذا المواد 17، 22، 58 من المرسوم 91/454 المؤرخ في 23/11/1991 المحدد لشروط إدارة الأملاك الخاصة التابعة للدولة وتسييرها ويضبط كيفيات ذلك.

***********

وإن كانت هذه هي الحكمة والفائدة العملية من اشتراط الرسمية لإخضاع العقد أو المحرر للإشهار، إلا أنه

مع ذلك قد يخطئ المحافظ العقاري في مراقبته و تحرياته مما يؤدي إلى التشكيك في صحة إجراءات

الشهر، مثلما سيأتي توضيحه لاحقا.

الفرع الثاني : قاعدة الشهر المسبق (الأثر النسبي للشهر)

إن المشرع الجزائري قيّد عملية الشهر العقاري بقاعدة الشهر المسبق أو الأثر النسبي للشهر، وذلك

بغرض ضمان فكرة الائتمان العقاري، وبمقتضى هذه القاعدة لا يستطيع المحافظ العقاري إجراء شهر

أي تصرف وارد على عقار ما لم يكن هناك شهر مسبق للعقد (المحرر) الذي على أساسه تم التصرف

في العقار.

وهذا الشرط أقرته المادة 88 من المرسوم 76/63 بنصها على أنه « لا يمكن القيام بأي إجراء للإشهار

في المحافظة العقارية في حالة عدم وجود إشهار مسبق أو مقارن للعقد أو القرار القضائي أو شهادة

الانتقال عن طريق الوفاة، يثبت حق المتصرف أو صاحب الحق الأخير».

يتضح من هذه المادة فكرة تسلسل الملكية العقارية، بحيث تنتقل الملكية من المتصرف إلى المتصرف

إليه بطريقة قانونية واضحة، يمكن عن طريقها معرفة جميع الملاك السابقين الذين تداولوا على ملكية

هذا العقار، ومنه يمكن التصدي و تفادي ظاهرة التصرفات المزدوجة التي كثيرا ما تحدث في الحياة

العملية(1).

واحتراما لهذه القاعدة منح المشرع المحافظ العقاري سلطة واسعة لمراقبة كل وثيقة أو عقد يكون

محل إيداع على مستوى مصلحته، فإذا تبين له من خلال مراقبته للعقد أنه لم يكن محل شهر مسبق

له أن يرفض قيدها طبقا لما قضت به الفقرة الأولى من المادة 101 ن المرسوم 76/63.

أما إذا قبل إيداع العقد و تبين له بعد ذلك أن مراجع الإشهار الأولى متناقضة مع مراجع الإشهار

اللاحق، فله أيضا رفض إجراء الإشهار لضمان تسلسل الملكية العقارية.

وإن كانت هذه القاعدة شرط ضروري و إلزامي لشهر أي عقد كان إلا أن هذه القاعدة لا يمكن

تطبيقها في جميع الحالات، ذلك أن المحافظ العقاري وإن كان يستطيع مقارنة العقود محل الشهر

مع العقود التي سبق شهرها المحتفظ بنسخ منها لدى المحافظة العقارية، إلا أنه في بعض الأحيان

يصعب الأمر، نظرا لكون الشهر قد يكون أول إجراء، أو في حالات تطلبتها عملية التحول من نظام

الشهر الشخصي إلى نظام الشهر العيني(2). وهذا ما جعل المشرع يستثني صراحة حالتين لا يمكن

فيهما الإعمال بقاعدة الأثر النسبي للشهر، ورد النص عليها بالمادة 89 من المرسوم 76/63 التي

استثنت القاعدة المدرجة بالفقرة الأولى من المادة 88 المذكورة أعلاه في حالتين:

**************
(1)عبد الحميد الشواربي، المرجع السابق، ص 53.
(2)أنظر مقال للأستاذ: رامول خالد، قاعدة الأثر النسبي، مجلة الموثق لسنة 2002، العدد 5، ص 23.

*************
-عند الإجراء الأولى الخاص بشهر الحقوق العقارية في السجل العقاري والذي تم تطبيقا للمواد من 8

إلى 18 من المرسوم 76/63.

-عندما يكون حق المتصرف أو صاحب الحق الأخير ناتجا عن سند اكتسب تاريخا ثابتا قبل أول يناير 1971.

أولا: بالنسبة للإجراء الأول الخاص بشهر الحقوق العقارية في السجل العقاري:

بالرجوع إلى المواد من 8 إلى 17 من المرسوم 76/63 نجدها تنظم إيداع وثائق مسح الأراضي العام على

مستوى المحافظة العقارية بعد الانتهاء من عملية المسح، ومما لا شك فيه أن هذه الوثائق المسلمة للمحافظ

العقاري من طرف مصلحة مسح الأراضي مقابل محضر تسليم، تكون بغرض إشهارها بعد أن يعطي لكل عقار

ممسوح رقما معينا و يخصص له بطاقة عقارية تشتمل على كافة بياناته على أساس وثائق مسح الأراضي،

وبالتالي لا يمكن تصور اشتراط توافر قاعدة الشهر المسبق، ذلك أن الهدف من عملية المسح العام للأراضي في

حد ذاتها إنما هو تأسيس السجل العقاري.والملاحظ أن تطبيق هذا الاستثناء في بعض الحالات، قد يضر بأصحاب

الحقوق الغائبين أو الذين منعوا من التصرف أثناء إجراء المسح، وبحقوق الدولة العائدة على قطع الأراضي

الممسوحة، وهذ ما دفع بالمشرع إلى وضع مدة قانونية تقدر بسنتين، قيّد من خلالها عملية الشهر و ما يترتب

عليها من آثار والتي تمت استنادا إلى وثائق مسح الأراضي، حيث يبدأ سريانها من تاريخ تسليم محاضر وثائق

مسح الأراضي لدى المحافظة العقارية.

ثانيا: بالنسبة للعقود العرفية الثابتة التاريخ قبل 01/01/1971

ويعتبر العقد ثابت التاريخ طبقا للمادة 328 من القانون المدني ابتداء من :

-يوم تسجيله.

-يوم ثبوت مضمونه في عقد آخر حرره موظف عام.

-يوم التأشير عليه على يد ضابط عام مختص.

-يوم وفاة أحد الذين لهم على العقد خط أو إمضاء.

ويرى البعض(1) أن هذا الاستثناء وضع لكي يحدد الإطار القانوني ويعطي الحجية اللازمة للعقود و الشهادات

التوثيقية المحررة من قبل القضاة سابقا التي لم تكن خاضعة لعملية الشهر العقاري بشكل إلزامي، ويلحق بها

العقود العرفية المسجلة بغية إعطائها تاريخا ثابتا، أما بالنسبة للعقود العرفية التي ليس لها تاريخ ثابت، فإنه لا

يمكن إثبات حجيتها إلا عن طريق القضاء.

و تجدر الإشارة إلى أن المشرع لم يبين في هذه الحالة، ما إذا كان العقد العرفي الثابت التاريخ يحتاج إلى إجراء

آخر لإخضاعه لعملية الإشهار العقاري أم أنه قابل للإشهار بحالته لا غير، لا سيما أن أحكام الشهر تشترط

الرسمية-كما سبق بيانه في الفرع السابق – أي حتى يكون قابلا للشهر بالمحافظة العقارية يجب إفراغ العقد في

قالب رسمي يحرره الموثق وبالتالي يصبح حجة على الغير بما تضمنه.

***********

(1)أنظر رأي الأستاذ رامول خالد، المرجع السابق، ص 23.

**********

وللشهر في هذه الحالة دور إعلامي فقط وليس مصدرا للحق العيني، لأن هذا الحق كان موجودا و قائما قبل تاريخ

01/01/1971 بموجب التصرف المبرم(1)، وبذلك فهو يرتب كافة آثاره في مواجهة الأطراف المتعاقدين، عكس

العقود المبرمة بعد هذا التاريخ دون استيفاء شرط الرسمية-كما تقضي به المادة 61 من المرسوم 76/63 – فهي

غير قابلة بذلك للشهر بالمحافظة العقارية، إذ أن التصرف يعد باطلا في حد ذاته وبالتالي لا يرتب أي أثر حتى فيما

بين المتعاقدين.

علاوة على الاستثنائين الواردين بالمادة 89 المشار إليها آنفا، نجد أن هناك تشريعات عقارية متفرقة أوردت

استثناءات أخرى على قاعدة الشهر المسبق، لعل أهمها ما يلي:

-إشهار عقد الشهرة المستحدث بموجب المرسوم 83/352 المؤرخ في 21/05/19823 الذي يبين إجراءات التقادم

المكسب وإعداد عقد الشهر المتضمن الاعتراف بالملكية.

-إشهار شهادة الحيازة التي نص عليها المشرع بالمادتين 39 و 40 من القانون 90/25 المؤرخ في 18/11/1990

المعدل و المتمم المتضمن قانون التوجيه العقاري، والمحددة كيفيات إعدادها والحصول على هذا السند بالمرسوم

التنفيذي 91/254 المؤرخ في 27/07/1991 المحدد لكيفيات إعداد شهادة الحيازة و تسليمها.

-إشهار عقود الملكية للأراضي المتنازل عليها في إطار عملية استطلاح الأراضي طبقا لنص المادة 1 من القانون

رقم 83/18 المؤرخ في 18/08/1983 المتعلق بحيازة الملكية العقارية الفلاحية من حيث تحويل عقود الاستفادة

إلى عقود ملكية في الأراضي الصحراوية.

-كذلك الاستثناء الذي جاء به المرسوم التنفيذي رقم 97/483 المؤرخ في 15/12/1997 المحدد لكيفيات منح حق

امتياز قطع أرضية من الأملاك الوطنية الخاصة التابعة للدولة في المساحات الاستصلاحية و أعبائه و شروطه

المعدل و المتمم بالمرسوم رقم 98/372 المؤرخ في 23/11/1998، وغيرها من الاستثناءات الواردة في نصوص

متفرقة.

بعد تبيان شرطا إخضاع العقود إلى عملية الإشهار العقاري، سنتناول فيما يأتي بيانه أهم الآثار المترتبة عن هذا

الشهر.

****************

(1)المشرع الفرنسي هو الآخر أورد هذا الاستثناء على قاعدة الأثر النسبي للشهر وذلك في حالة مماثلة للحالة الثانية لدينا، ويتعلق الأمر بعدم تطبيق قاعدة الأثر النسبي للشهر على العقود المحررة قبل 01/01/1958 تاريخ دخول إصلاح منظومة الشهر العقاري حيز التطبيق راجع في ذلك : Philippe simler , Philippe Delebecque ، المرجع السابق، ص 619.
***************
المطلب الثاني : آثـــار الشهـــر

إن أهمية الشهر تكمن في الاحتجاج بالحق –محل العقد المشهر – في مواجهة الغير و نقل ملكية الحقوق

العينية العقارية، إذ يؤدي الشهر إلى إعلام الكافة بالتصرفات الواردة على العقار باعتبار أن السجل العقاري

يعد بمثابة المصدر الأساسي في تداول الحقوق العينية العقارية وإظهار حقيقتها ووضعيتها القانونية من

جهة، كما أن الشهر يرتب الأثر الناقل للملكية فيما بين المتعاقدين بالنسبة للعقود الناقلة للحق العيني

العقاري، وهذا عكس بعض التشريعات التي يتم انتقال الملكية بمجرد العقد(1).

كما تتسع أهمية الشهر لدرجة حماية الحقوق من اكتسابها بالتقادم الذي يعتبر وسيلة مهمة معتمد عليها

لاكتساب الحق العيني العقاري في ظل نظام الشهر الشخصي.

وسنتناول هذه الآثار بشيء من التفصيل في الفروع التالية:

الفرع الأول : الاحتجاج بالتصرفات و الحقوق المشهرة

إن الغاية الأساسية من إنشاء السجل العقاري هي شهر الحالة القانونية و المادية للعقار لتمكين الغير

الذي يريد التعاقد بصدده أو القيام بأي إجراء حوله من الوقوف على حقيقة العقار ومدى الحقوق العائدة

له والأعباء المترتبة عليه(2).

ومن أجل تحقيق هذه الغاية ينبغي قيد جميع الحقوق العائدة للعقار أو عليه، بحيث أن الحق غير المقيد

في الصحيفة العقارية لا يمكن الاحتجاج به سواء بين المتعاقدين أو بالنسبة للغير، وذلك بالنسبة لجميع

الحقوق العينية العقارية المنشئة أو الناقلة، أو المغيرة أو المزيلة للحقوق العينية العقارية، وجميع

التصرفات المقررة لها سواء كانت هذه الحقوق عينية أصلية أو تبعية، وكذلك الحال بالنسبة للأحكام

النهائية المثبتة لهذه التصرفات، ومن هنا يتضح أنه بغير الشهر لا يمكن الاحتجاج بالحق، علما أن

التصرف قد يرد على حق عيني، كما قد يرد على حق شخصي.

أولا: الاحتجاج بالتصرفات الواردة على الحق العيني:

لقد أخضع المشرع الجزائري بموجب المادتين 15 و 16 من الأمر 75/74 المتعلق بإعداد مسح الأراضي

و تأسيس السجل العقاري، جميع الحقوق العينية باختلاف طبيعتها أصلية كانت أو تبعية لإلزاميـة

*************

(1)د/فيلالي علي، الشهر العقاري في ضوء القضاء الجزائري، المجلة الجزائرية للعلوم القانونية والاقتصادية والسياسية، كلية الحقوق، بن عكنون، لسنة 2000، العدد 2، ص 118.
(2)أمين بركات سعود، المرجع السابق، ص 43.
************
الشهر، إذ نصت المادة 15 على أنه:« كل حق للملكية وكل حق عيني آخر يتعلق بعقار لا وجود له بالنسبة

للغير إلا من تاريخ يوم إشهارهما في مجموعة البطاقات العقارية، غير أن نقل الملكية عن طريق الوفاة يسري

مفعوله من يوم وفاة أصحاب الحقوق العينية».

ويفهم من هذا النص أن المشرع الجزائري وانطلاقا من أخذه بنظام الشهر العيني لا يعترف بغير الشهر للادعاء

بالملكية في الحقوق العينية، فإذا ما أشهرت هذه الحقوق، فإنها تسري في مواجهة الكافة من تاريخ القيد ما عدا

الحقوق الميراثية التي تنتقل الملكية فيها بالوفاة لا بالقيد حيث لا توجد حاجة لقيدها في السجل العقاري حتى

يمكن الاحتجاج بها تجاه الغير، فهي تنتقل حال وفاة المورث ولو لم يسجل في السجل العقاري، وقد نصت بعض

القوانين العربية ومن بينها القانون السوري(1) على نفس المبدأ أي انتقال الحقوق العينية إلى الورثة بتاريخ الوفاة

ولو لم يسجل في السجلات العقارية، كما يحتج به تجاه الغير قبل تسجيلها أيضا، إلا أنه لا يجوز للوارث أن يتصرف

فيها إلا بعد تسجيلها بالسجل العقاري(2).

وتبعا لذلك اشترط إشهار أي إجراء أو دعوى من شأنها تهديد المراكز القانونية لأصحاب الحقوق الواجبة الشهر أو

تقييد التصرف فيها لترتيب حقوق في مواجهة الغير(3).

كما نصت المادة 16 من نفس الأمر على أن « العقود الإدارية والاتفاقات التي ترمي إلى إنشاء أو نقل أو تصريح أو

تعديل أو انقضاء حق عيني لا يكون له أثر حتى بين الأطراف إلا من تاريخ نشرها في مجموعة البطاقات العقارية».

فمن هذين النصين يتضح أن نشوء الحق العيني لا يترتب سواء بالنسبة للمتعاقدين أو بالنسبة للغير إلا من تاريخ

النشر في مجموعة البطاقات العقارية (أي التسجيل في السجل العقاري) و عليه يمكن أن نستخلص أن

التصرفات و العقود سواء كانت صادرة من جانب واحد كالهبة و الوقف والوصية أو العقود المرتبة لالتزامات الطرفين

كالبيع، وكذلك العقود المتعلقة بالحقوق العينية سواء كانت أصلية كحق الانتفاع، أو تبعية كالرهن وجب إشهارها

حتى يمكن الاحتجاج بها تجاه الغير، فبالشهر يمكن لكل مكتسب لعقار الاحتجاج بعقده في مواجهة الغير الذي قد

يتضرر جراء الحق المشهر أو العكس، فقد يتضرر المشتري أو الموهوب له نتيجة شهر الغير لعقده أو حقه، هذا

الغير الذي مكنه مالك العقار أو المتصرف من اكتساب الحق عليه في الفترة ما بين إنشاء العقد الأول وتاريخ

شهره، والسبب في ذلك يرجع إلى كون البائع ما يزال مالكا للعقار في تلك الفترة، علما أن المشرع الجزائري لا

يعتد بسوء النية أو حسنها فلم يعلق حجية القيد على حسن نية المتصرف إليه ولم يسمح بالتحري عن حسن نية

الساري أو سوئها، فاعتبر القيد حجة ولو تم بسوء

***************

(1)أمين بركات سعود، المرجع السابق، ص 57.
(2)اشترط المشرع على الوارث إذا أراد التصرف في نصيبه استصدار شهادة توثيقية تثبت انتقال الحق و تشهر في مجموعة البطاقات العقارية ليكون التصرف نافذا في مواجهة الغير، أنظر المادة 91 من المرسوم 76/63 المؤرخ في 25/03/1976 المعدل و المتمم المتعلق بتأسيس السجل العقاري
(3)أ.ليلى زروقي، (التصرفات القانونية الوجبة الشهر و الآثار المترتبة عن القيد)، ص 14.

**************

نية، وهذا خلاف ما جاء في التشريع السوري وبعض التشريعات العربية الأخرى(1).

وما دام أن نص المادة 16 من الأمر المذكور آنفا جاء عاما، فإنه يفهم منه أنه يشمل أيضا، إضافة إلى الحقوق

العينية الأصلية، الحقوق العينية التبعية المتمثلة في حق الرهن الرسمي و الحيازي وحق الاختصاص و حقوق

الامتياز الخاصة و المتعلقة بالعقارات، رغم أن هذه التصرفات لا تنقل الملكية إلا أنها تعتبر مجالا لضمان و تأمين

حقوق الغير، فهي تنشئ حقوقا عينية لضمان وخدمة حقوق أخرى، وعليه وجب إخضاعها لإجراء الشهر، ويستثني

من ذلك حقوق الامتياز العامة ولو انصبت على العقار، فلا يجب شهرها، وهو ما أكدته الفقرة الثالثة من المادة 986

من القانون المدني بقولها:« … غير أن حقوق الامتياز العامة ولو كانت مترتبة على عقار لا يجب فيها الإشهار

ولاحق التتبع، ولا حاجة لإشهار أيضا في حقوق الامتياز العقارية الضامنة، بمبلغ مستحقة للخزينة العامة، وهذه

الحقوق الممتازة جميعا تكون أسبق في المرتبة على أي حق امتياز عقاري آخر أو حق رهن رسمي مهما كان

تاريخ قيده.

أما فيما بينهما فالامتياز الضامن للمبالغ المستحقة للخزينة يتقدم على حقوق الامتياز العامة».

وقد اشترط المشرع الشهر بغض النظر عن صفة المتصرف، فالزم إشهار العقود و القرارات الإدارية المنصبة على

نفس الحقوق، وأكدت ذلك القوانين الخاصة كقانون التنازل على أملاك الدولة، إذ أن المقرر قانونا أن كل تنازل عن

أرض مهيأة للبناء عليها خاضع إلى قواعد مداولة المجلس الشعبي البلدي وإلى الإشهار وهو ما أكده قرار المحكمة

العليا المؤرخ في 10/12/1991، تحت رقم 83787(2)، كما أكد ذلك القانون 90/25 المؤرخ في 18/11/1990

المتضمن التوجيه العقاري، إذ نص في المادة 29 منه على أنه:« يثبت الملكية الخاصة للأملاك العقارية والحقوق

العينية، عقد رسمي يخضع لقواعد الإشهار العقاري».

والأمر كذلك بالنسبة للقرارات والأحكام القضائية النهائية المتعلقة بإنشاء حقوق عينية عقارية أو المعدلة أو

المتغيرة أو المزيلة وكذا المصرحة بهذه الحقوق إذ يجب إشهارها، وإذا كان مفاد المادة 801 ق.م اشتراطها لصحة

إجراءات طلب الشفعة وجوب تسجيل عقد طلب الشفعة و إشهاره. وأنه في حالة تخلف هذا الشرط لا يحتج به في

مواجهة الغير بما فيهم المدعي عليهم في الطعن(3). وبالتالي فإن حكم ثبوت الشفعة وجب إشهاره باعتباره سند

للملكية بحكم القانون طبقا لما نصت عليه المادة 803 ق.م، وغيرها من الأحكام التي يجب شهرها عملا بمقتضيات

المادة 14 من الأمر 76/63 المؤرخ في 25/03/1976 المتعلق بتأسيس السجل العقاري، ولقد تظم المشرع

الجزائري إجراءات القيد في المواد من 93 إلى 98 من المرسوم 76/63 السابق ذكره وذلك بإحالة من القانون

المدني(4).

**************
(1)د.إدوارد عيد، الأنظمة العقارية ( التحديد و الحرير – السجل العقاري)، الطبعة 2 سنة 1996، ص7.
(2)المجلة القضائية، لسنة 1993، العدد 2، ص 131.
(3)القرار رقم 76678 المؤرخ في 24/12/1991، المجلة القضائية 1993، العدد الأول، ص 69.
(4)تنص المادة 905 ق.م على أنه « تسري على إجراء القيد و تجديده وشطبه أو إلغاء الشطب والآثار المترتبة على ذلك كله الأحكام الواردة في قانون تنظيم الإشهار العقاري».

************

ثانيا: الاحتجاج بالعقود و التصرفات الواردة على الحق الشخصي:

إذا كان المبدأ العام يقضي شهر جميع التصرفات و الحقوق العينية العقارية حرصا على استقرار تداولها

بصفة قانونية، وتجسيدا لهذه الحماية تخضع بعض الحقوق الشخصية للشهر، و المتمثلة أساسا في

الإيجارات الواردة على العقار، إذن المشرع أوجب تسجيل عقد إيجار العقارات في السجل العقاري لأجل

ثبوته ونفاذه في حق العير، وذلك إذ تجاوزت مدته إثنى عشر عاما(1)، حسبما تستوجبه المادة 17 من

الأمر 75/74 السالف ذكره التي تنص على أن : « الإيجارات لمدة اثنا عشر سنة لا يكون لها أي أثر بين

الأطراف ولا يحتج به اتجاه الغير في حالة عدم شهرها»، فرغم أن الأمر يتعلق بحق شخصي في هذه

الحالة لا يرتب سوى التزامات شخصية، إلا أن المشرع لم يعترف به فيما بين المتعاقدين إلا من تاريخ

شهره، أي أنه جعل للشهر أثر منشئ في الإيجارات الطويلة الأمد رغم أنها لا تنشئ حقوقا عينية(2)،

كما نصت الفقرة الثانية من المادة 896 ق.م على أنه :«إذا كان الإيجار السابق على تسجيل التنبيه

تزيد مدته على 9 سنوات، فلا يكون نافذا في حق الدائن المرتهن إلا لمدة 9 سنوات ما لم يكن قد سجل.

ويلاحظ من خلال هذين النصين التباين الموجود في مدة الإيجار، إذ نص الأمر 75/74 على مدة إثنى

عشر سنة، في حين النص الأخير ذكر مدة تسع سنوات، ويمكن إرجاع، بسبب ذلك إلى أن المشرع

الجزائري أخذ بالتشريع الفرنسي في إقراره لمدة 12 سنة، ومن جهة أخرى إعتمد على التشريع

المصري الذي يشترط مدة 9 سنوات لقيد الإيجار، إذ قرر قانون 142 الصادر في 24/03/1964 على

وجوب قيد الإيجارات والسندات التي ترد على منفعة العقار، إذا زادت مدتها على تسع سنوات

مقدما وكذلك الأحكام المثبتة لشيء من ذلك (3)ولحل هذا التباين نعتقد أنه يجب تطبيق قاعدة

الخاص بقيد العام، وبذلك نطبق نص المادة 17 من الأمر 75/74.

ونرى أن مدة 12 سنة المقررة بهذه المادة الأخيرة، إنما العبرة فيها بالمدة المحددة في عقد الإيجار

وليس بالمدة التي يمتد إليها العقد، فعلى سبيل المثال إذا اتفق المؤجر مع المستأجر على عقد

إيجار مدته ثماني سنوات، فالقانون لا يوجب شهره بالمحافظة العقارية كي يولد آثارا قانونية وحتى

إن لازم المستأجر العين المؤجر لمدة 12 سنة أو أكثر(4).

وتجدر الإشارة أن عقود الإيجار المحررة بعد صدور المرسوم التشريعي 93/03 المؤرخ

في 12/03/1993 المتضمن النشاط العقاري، يجب أن تفرغ في شكل خاص طبقا لنموذج محدد

بموجب المرسوم التنفيذي 94/96 المؤرخ في 19/03/1994 المتضمن المصادقة على نموذج

عقد الإيجار المنصوص عليه بالمادة 21 منه، وفي حالة مخالفته يعاقب المؤجر و يمكن شاغل

الأمكنة إذا كان بيده أي وصل من عقد الإيجار لمدة سنة واحدة ابتداء من تاريخ معاينة المخالفة

غير قابلة للتجديد.

****************

(1)أنظر المادة 73 من المرسوم 76/63 المتعلق بتأسيس السجل العقاري
(2)ليلى زروقي، (التصرفات القانونية الواجبة الشهر و الآثار المترتبة عند القيد)، ص 13.
(3)عرب عبد القادر، المرجع العملي في الشهر العقاري و التوثيق، دار الفكر العربي، طبعة 1992، ص 163.
(4)مجيد خلفوني، نظام الشهر العقاري في القانون الجزائري، الديوان الوطني للأشغال التربوية، الطبعة الأولى 2002، ص 46.

****************
وفيما يخص شهر التصرفات و الحقوق الشخصية، نجد أن المشرع الفرنسي اعتبر الوعد بالبيع من العقود

الواجبة الشهر بغرض حماية الموعود له الذي لا يكتسب إلا حقا شخصيا على العقار و هو ما أكده قرار

محكمة الاستئناف الفرنسية الصادر بتاريخ 04/03/1971(1).

أما المشرع الجزائري، وإن كان قد اشترط الرسمية في الوعد بالبيع طبقا للمادة 71 ق.م وإلا كان باطلا(2)،

إلا أنه مع ذلك لم يشر إلى وجوب إخضاعه لإجراء الشهر عكس المشرع اللبناني الذي أوجب إجراء قيد

احتياطي على الوعد بالبيع للمحافظة على حق الموعود له(3) .ومؤخر بصدور قانون المالية لسنة 2004

(4) نجد أنه فرض الرسم على بعض التصرفات والعقود، من بينها الوعد بالبيع، فهل يمكن الحكم على ذلك

والقول أن نية المشرع، اتجهت إلى فرض شهر الوعد بالبيع؟

طالما أنه يوجد نص خاص يفرض ذلك، فيمكن تفسيره على أنه شهر جوازي، بمعنى أنه من أراد شهر الوعد

بالبيع – حفاظا على حقوقه التي تبقى مجرد حقوق شخصية قبل إتمام البيع – فله ذلك، بينما لا يمكن

إعتبار هذا النص بمثابة إلزام على شهر الوعد بالبيع.

استنادا إلى ما سبق ذكره لا يترتب على عقد الإيجار غير المشهر إلا التزامات شخصية بين الطرفين

المتعاقدين، ولا يكون حجة إلى الغير، وعليه إذا تصرف المؤجر في العين المؤجرة لشخص ثان، وسارع

المتصرف إليه في تسجيل عقد الإيجار و شهره تطبق قاعدة الأفضلية في الشهر(5)، أي أذا تصرف

المؤجر في العين الواحدة لأكثر من مستأجر يفضل من سبق منهم إلى شهر عقده، ولا يبقى للمستأجرين

الآخرين سوى مطالبة المؤجر بالتعويض، فالهدف الأساسي من قيد عقد الإيجار هو حماية حق المستأجر

و الاحتجاج به في مواجهة الغير لذي اكتسب حقا عينيا عقاريا على العقار كالمشتري أو الموهوب له أو

الموصى له بحق عيني أصلي أو تبعي، كما قد يكون الغير الدائن المرتهن و غالبا ما يجد المستأجر

حقه متنازع فيه بين الخلق الخاص للمؤجر والذي يتمثل عادة في مشتري العقار أو ينافسه مستأجر

آخر في ذلك الحق.

والملاحظ أن الأمر 75/74 لم يتضمن نص ينظم المخالصات و الحوالات في حين نجد أن المادة 897 ق.م

نصت عليها بقولها:« لا تكون المخالصات بالأجرة مقدما لمدة تزيد على ثلاث سنوات ولا الحوالات بها كذلك

نافذة في حق الدائن المرتهن إلا إذا كان تاريخها ثابتا وسابقا على تسجيل تنبيه نزع الملكية.

وإذا كانت المخالصة أو الحوالة لمدة تزيد على ثلاث سنوات فإنها لا تكون نافذة في حق الدائن المرتهن

إلا إذا سجلت قبل قيد الرهن، وإلا خفضت المدة إلى ثلاث سنوات مع مراعاة المقتضي الوارد في

الفترة السابقة».

ويقصد بالمخالصات من هذا النوع تلك المبالغ التي تدفع مقدما إلى مالك العقار كثمن إيجار العقار

لمدة لاحقة
***********
(1)- Phillppe simler, philippe Delebecque P 59, المرجع السابق، ص 59.
(2)قرار الغرفة المجتمعة رقم 136156 المؤرخ في 18/02/1997، المجلة القضائية لسنة 1997، العدد 1، ص 10.
(3)د.توفيق حسن فرج، عقد البيع و المقايضة في القانون اللبناني، طبعة 73، ص87.
(4)أنظر المادة 353 من القانون رقم 03/22 المؤرخ في 28/09/2003 المتضمن قانون المالية لسنة 2004.
(5)مجيد خلفوني، المرجع السابق، ص 46.

**********
تقدر بأكثر من ثلاث سنوات وذلك قبل أن يبدأ سريان عقد الإيجار.

أما الحوالة فيقصد بها حوالة المنتفع من الإيجار الذي يدفع ثمنه مقدما إلى شخص آخر ليحل محله في

الانتفاع بالعقار المؤجر. وسواء تعلق الأمر بالمخالصة أو بالحوالة فإن كلا منهما يثقل العقار وينقص من

قيمته لذلك يجب أن يعلم كل من الحائز و الدائن المرتهن بهذا العبء المتمثل في قبض أجرة تزيد على

ثلاث سنوات قبل سريان عقد الإيجار(1).

وبهذا يكون المشرع قد راعى في فرضه الشهر بعض الحقوق الشخصية كعقد الإيجار طويل المدة، كون

أن الإيجار وغيره من الحقوق قد يؤثر في قيمة العقار، فإذا طالت مدته وأصبح البدل منخفضا تبعا للظروف

الاقتصادية في البلد، فإنه قد ينقص من قيمته، مما يستوجب إعلام الغير به عن طريق الشهر.

الفرع الثاني : الأثر الناقل للملكية

إذا كانت الشكلية الرسمية تحمي المتعاقدين من مساوئ الرضائية من تسرع و غموض، فإن آثار العقد بين

الأطراف في مواجهة الغير لا تترتب إلا باستكمال إجراءات الشهر، مما يعني أن حماية الغير والمجتمع أصبحت

أولى من حماية الأطراف، ويترتب على هذا الشرط نتائج هامة تتمثل في نقل ملكية الحقوق العينية

العقارية، هذه الأخيرة التي تنشأ و تعدل و تنقضي بالشهر. ويعتبر الدفتر العقاري سندا للملكية طبقا

للمادة 19 من الأمر 75/74، السالف الذكر.

وقد اختلفت التشريعات في تحديد آثار الشهر، حيث يعتبر المشرع الفرنسي أن للشهر دور إعلامي فقط

أي الاحتجاج بالحق المشهر في مواجهة الغير(2)، وكذا المشرع التونسي الذي يعتبر أن الحقوق العينية

العقارية تنتقل بين المتعاقدين بمجرد توقيع العقد، ودون حاجة إلى قيد هذه الحقوق في السجل العقاري

، إذ أن القيد يعد ضروريا لمجابهة الغير وله قوة ثبوتية تجاهه(3)، بينما هناك بعض التشريعات الأخرى(4)

التي أخذت إضافة إلى دور الشهر الإعلامي إلى دور إحداث الأثر الناقل للملكية فيما بين المتعاقدين،

وهو موقف المشرع الجزائري الذي يتضح من خلال المادتين 15 و 16 من الأمر 75/74، إذ يعتبر أن

للشهر دور إزدواجي، وهو الاحتجاج بالحق في مواجهة الغير، إضافة إلى دور أهم وهو إتمام نقل

الملكية حتى بين الطرفين المتعاقدين أي ترتيب الأثر العيني في عملية بيع العقار وغيرها من

الحقوق العينية العقارية، وهو الأمر الذي أكدته المحكمة العليا في قرارها الصادر بتاريخ 26/10/1983

تحت رقم 29501(5) الذي جاء فيه أن :« حق الارتفاق حق عيني، لا تنتقل ملكيته إلا بكتابة عقد

رسمي مع الاشهار، فالطبيعـة القانونيـة

*********

(1)عمر صداقي، شهر التصرفات العقارية في القانون الجزائري، رسالة ماجستير، جامعة الجزائر، كلية

الحقوق بن عكنون، ص 73.
(2)-Marty Gabriel, Droit civil, les sûretés , La publicité Foncière, Paris, Sirey 1974, P 14.
(3)أمين بركات سعود، المرجع السابق، ص 42.
(4)التشريع الألماني و السويدي، والتشريعات العربية، العراقي و الكويتي و المصري في قانون رقم 142 لعام 1964.
(5)المجلة القضائية، لسنة 1989، العدد 1، ص 54.

************

المضفاة على حق الارتفاق كحق عيني هي التي أدت إلى إخضاع إنتقال ملكيته في المادة 12 من قانون

التوثيق لأشكال جوهرية … ومن ثمة كان وجوبا على الأطراف إفراغ الاتفاق المبرم حوله في عقد رسمي

وتولي إجراءات إشهاره ليصبح بالتالي التمسك بحصول التصرف …».

وبالتالي نخلص إلى القول أن انتقال الملكية في العقارات أو الحقوق العينية الأخرى كحق الارتفاق، حق

الانتفاع أو حق الاستعمال والسكني لا يتم إلا باتخاذ إجراءات الشهر سواء بالنسبة للغير أو حتـى بين

المتعاقدين، وبذلك تكون عملية الشهر في الجزائر الوحيدة التي بامكانها نقل الملكية طبقا لأحكام المادة 793

ق.م، إذ أن الملكية العقارية لا تنتقل إلا باحترام الاجراءات المقررة، وهي إفراغ التصرف في الشكل الرسمي

و القيام بشهره حيث أن الشكل الرسمي-وإن كان يجسد التصرف القانوني- إلا أنه لا يكفي لنقل الملكية

وهذا حتى ولو تم تثبيت البيع بالحكم.

وترى الغرفة الإدارية بالمحكمة العليا في هذا الشأن في قرارها المؤرخ في 25/07/1993(1) أن عدم

إتمام إجراء الشهر يفقد السند حجيته المطلقة، وبما أن إجراء الشهر هي مسألة من النظام العام فللمحكمة

أن تثير إغفال هذا الإجراء من تلقاء نفسها، هذا الاجتهاد القضائي المستقر للمحكمة العليا يكرّس الأثر

المنشئ لإجراءات الشهر العقاري.

وعليه في حالة تزاحم المشترين، فإن الملكية تنتقل إلى من اتخذ إجراءات الإشهار قبل الأخر ولو بساعات

محدودة، فإذا باع المالك «أ» العقار إلى «ب» بموجب عقد توثيقي في 01/01/2004 لم يتم شهره، ثم

أعاد بيع نفس العقار إلى «ج» بموجب عقد توثيقي في 24/01/2004 تم شهره بالمحافظة العقارية في

31/01/2004، فإن المشتري الثاني «ج» هو التي ينتقل إليه الملكية طالما عقده تم شهره، على خلاف

المشتري الأول «ب» والذي رغم أنه سابق في تاريخ إبرام العقد، إلا أنه لم يشهره، وبالتالي لا يبقى له

سوى الرجوع على البائع «أ» لاسترداد الثمن استنادا إلى أحكام الدفع غير المستحق والتعويض عن

الاخلال بالتزام شخصي(2)، وفي هذا تكريس لمبدأ الأسبقية في التسجيل الذي سبق للقضاء

المصري- منذ مدة طويلة- وأن جسده في عدة قرارات من خلال محكمة النقض المصرية، ففي

الطعن رقم 125 لسنة 18 ق جلسة 13/04/1950، أكدت هذه الأخيرة أن مناط الأفضلية بين عقدين

هو بأسبقية التسجيل دون ثبوت التاريخ، كما جاء في طعن رقم 287 لسنة 20 ق جلسة 16/10/1952

أن مجرد قيام المشتري بتسجيل صحيفة دعوى صحة التعاقد لا يترتب عليه نقل الملكية، إذ أن الملكية

لا تنتقل إلا بتسجيل الحكم الصادر في الدعوى(3).

ولعل هذا ما يفسر أيضا النص على ضرورة شهر الأحكام النهائية الناقلة للملكية، أو المصرحة بحق

عيني عقاري باعتبارها سندات للملكية بحكم القانون(4)، إذ يجوز أن تكتسب ملكية عقار أو حق

عيني عقاري

*******************

(1)أنظر القرار والتعليق عليه في مقال للدكتور، فيلالي علي بعنوان، الشهر العقاري في ضوء القضاء الجزائري، المرجع السابق، ص 125، 126.
(2)حمدي باشا عمر، (نقل الملكية العقارية في ضوء آخر التعديلات وأحدث الأحكام)، ص 121، 122.
(3)معوض عبد التواب، الشهر العقاري والتوثيق علما وعملا، منشأة المعارف، الأسكندرية، 1986، ص 69 و ما يليها.
(4)المادة 14 من الأمر 75/74 المؤرخ في 12/11/1975، المتضمن إعداد مسح الأراضي العام و تأسيس السجل العقاري.

*****************

بحكم صادر عن القضاء، كالقرار الذي يقضي بقيد عقد البيع العقاري، أو قرار يقضي بقسمة عقار شائع بين

الشركاء، أو بإرساء البيع بالمزاد العلني على إسم المزايد الأخير، إذ يصبح المحكوم له مالكا للعقار من

تاريخ قيد الحكم أو القرار القضائي بالسجل العقاري.

وبذلك يتبين أن المشرع الجزائري قد أخذ بمبدأ الأثر المنشئ للقيد انطلاقا من المادة 15 من المرسوم

75/74، غير أنه أورد استثناء على هذا المبدأ يتعلق بانتقال الحقوق الميراثية(1)، إذ لم يوجب المشرع

قيدها حتى تنتقل للورثة، حيث أن المادة 15 من نفس المرسوم نصت على أن نقل الملكية عن طريق

الوفاة تنقل الحقوق للورثة والموصي لهم دون الحاجة إلى إجراء شكلي، بل اشترط المشرع على كل

وارث أو موصى له قيد حقه كلما أراد التصرف فيه وذلك باستصدار شهادة رسمية موثقة تثبت انتقال

هذا الحق إليه ثم قيدها في مجموعة البطاقات العقارية حتى يكون نافذا وذلك إعمالا لأحكام المادتين

39 و 62 من المرسوم 76/63 المذكورة آنفا، و تأكيدا له نصت المادة 91 منه على أن :« كل انتقال

أو إنشاء أو انقضاء لحقوق عينية عقارية بمناسبة أو بفعل الوفاة يجب أن يثبت بموجب شهادة موثقة»

، فالقيد في هذه الحالة هو شرط كاشف(2) حتى يكون نافذا في مواجهة الغير – كما سبق تبيانه في

الفرع الأول من هذا المطلب -.

نخلص مما سبق ذكره أن بالشهر تنتقل الملكية في العقارات و الحقوق العينية العقارية أصلية كانت

أو تبعية انطلاقا من مبدأ الأثر المنشئ للقيد، لكن هذا لا يعني الخلط بين القيد كأثر منشئ وبين مصدر

الحق الذي يعدّ السبب القانوني الذي ينشأ به الحق وفقا لقواعد كسب الحقوق خلافا للحقوق العقارية

الذي لا يكفي وجود هذا السبب كي ينشأ الحق لصاحبه، بل لا بد من قيد هذا الحق في السجل

العقاري حتى تعتبر أنه كسبه، وهنا نقول أن القيد هو الذي أنشأ الحق وليس التصرف في حد ذاته(3).

الفرع الثالث : حظر التقادم المكسب على العقارات التي لها سندات ملكية مشهرة
يعتبر التقادم -في المناطق التي لم يؤسس فيها السجل العقاري سببا من أسباب كسب الملكية

والحقوق العينية العقارية الأخرى- ضرورة تقتضيها مصلحة الجماعة، وباعتبار أن أهم الأهداف التي

جعلت معظم التشريعات العربية تأخذ بمبدأ الشهر العيني هو التخلص من هذا الوضع وإعطاء الملكية

وباقي الحقوق العينية العقارية المشهرة الحماية التامة من جمع التعديلات وبعث الاستقرار في نفوس

المتعاملين في العقارات وإعطاء قيود السجل العقاري القوة الثبوتية المطلقة، لذلك أخذت القوانين

العقارية لكل من ليبيا، سوريا، لبنان، العراق، المغرب، تونس و الأردن بمبدأ عدم سريان التقادم في

حق المالك المقيدة ملكيته في السجل العقاري(4).

(1)جلّ التشريعات العربية أخذت بهذا الاستثناء فيما يتعلق بالحقوق الميراثية التي تنتقل دون حاجة

إلى القيد، عدا المشرع الليبي الذي نص في المادة 53 من القانون الليبي على أن العقارات الموروثة

لا تؤول إلى الورثة إلا بعد تقديم إعلام شرعي من المحكمة المختصة يحصر الإرث وبيان نصيب كل

وارث و تسجيل حق الإرث.

****************
(2)أ. ليلى زروقي، التصرفات القانونية الواجبة الشهر والآثار المترتبة عن القيد، ص 15.
(3)أمين بركات سعود، المرجع السابق، ص 41.
(4)مجيد خلفوني، المرجع السابق، ص 26 و 49.

****************
فتطبيق نظام الشهر العيني يفترض إعمال مبدأ حظر التقادم، وبالموازاة نجد أن المشرع الجزائري

نص في المواد من 823 إلى 834 ق.م، على إمكانية اكتساب الملكية بالتقادم الحقوق العينية العقارية

الأصلية الأخرى وكذا انقضائها، ولم يرد أي نص يستثنى الأراضي التي تم مسحها، في حين أن

المرسوم 83/352 المؤرخ في 21/05/1983، المتعلق بين إجراء إثبات التقادم المكسب وإعداد عقد

الشهرة المتضمن الاعتراف بالملكية، وتحديدا في المادة الأولى منه، استثنى الأراضي التي تم فيها

المسح بنصها على أن « كل شخص يحوز في تراب البلديات التي تخضع حتى الآن للإجراء المحدث

بالأمر 75/74 …» أي المقصود ما عدا الأراضي التي تم فيها المسح و اقتصار إعداد عقد الشهرة

على أراضي الملك الخاص.

ومن هنا يطرح التساؤل حول مدى إمكانية و جواز اكتساب عقار ممسوح أوله سند مشهر عن

طريق التقادم المكسب ؟

نلاحظ أنه وعلى الرغم من تعدد أحكام قانون الشهر العقاري منذ صدور الأمر 75/74 المشار إليه

آنفا، إلا أن المشرع الجزائري أغفل معالجة هذه المسألة، ولعل هذا ما دفع البعض إلى تطبيق

القواعد العامة المقررة في هذا المجال، وبالتالي القول بجواز اكتساب العقار الممسوح بالتقادم

المكسب، ونفس الفراغ جعل البعض الآخر يطبق قاعدة الخاص يقيد العام ويرفض ذلك، وسنحاول

فيما يلي تقديم هذين الإتجاهين و تبيان مبررات كل منهما.
الاتجــاه الأول :
يرى عدم تصور اكتساب الملكية في المناطق الممسوحة التي حاز صاحبها على وثائق طبقا

لنظام الشهر العيني، وذلك لتعارضه مع مبدأ القوة الثبوتية المطلقة للشهر، وهذا انطلاقا من كون

الحيازة قرينة على الملكية و الملكية ثابتة بالشهر(1)، وبالتالي فكسب الملكية في هذه الحالة

عن طريق التقادم المكسب يفقد الشهر قوته الثبوتية، وعليه لا يمكن للموثق تحرير عقد شهرة

يتضمن الاعتراف بملكية عقارات لها سندات ملكية مشهرة، وهذا الاتجاه تبنته الغرفة الإدارية

للمحكمة العليا في قرار لها غير منشور صادر بتاريخ 09/03/1998 تحت رقم 129947 حيث

أكدت فيه على أنه :« أن الإجراءات المنصوص عليها في المرسوم 83/352 يستبعد تطبيقها

أمام وجود سند رسمي مشهر للعقار موضوع النزاع بالمحافظة العقارية بقسنطينة في

03/06/1998…، وعليه فإن رفض إشهار عقد الشهرة من طرف المحافظة العقارية كان مؤسسا،

لأن المرسوم 83/352 يرمي إلى تطهير الوضعية العقارية للأملاك التي لم تتم فيها بعد عملية

مسح الأراضي العام و تأسيس السجل العقاري، وعليه فإن القرار المستأنف قد أصاب فيما قضى

به»
وقد تم تأكيد هذا الاتجاه من خلال منشور صادر عن وزارة المالية(2) موجه إلى الموثقين منعهم

بموجبه من إعداد عقود الشهرة في الأراضي التي لها عقود محررة و مشهرة وإن لم يسمها المسح

نظرا لما وقع من تحايل على الملاك الغائبين. وتبرير ذلك أن المادة الأولى من المرسـوم 83/352

السـالف الذكـر

**************

(1)أ.ليلى زروقي، نظام الشهر وإجراءاته في القانون الجزائري، ص 64.
(2)حمدي باشا عمر، القضاء العقاري في ضوء أحدث القرارات الصادرة عن مجلس الدولة والمحكمة العليا، ص 278.

************
نصت على أنه لا يمكن إعداد عقد الشهرة إلا إذا تعلق الأمر بأراضي الملك (أي ملكية خاصة) الواقعة في

المناطق التي لم تباشر فيها عمليات المسح ذلك أن المرسوم في حد ذاته جاء لتطهير المناطق غير الممسوحة.

الاتجاه الثاني:
ويذهب عكس الاتجاه الأول، أي لا مانع في نظر القائلين بهذا الرأي أن ترد عقود الشهرة على عقارات

لها سندات ملكية مشهرة، استنادا إلى كون التقادم المكسب هو طريق ذو دلالة قاطعة في ثبوت الملكية،

فمتى توافرت شروط الحيازة يصبح الحائز مالكا للعقار عن طريق التقادم المكسب و يحتج بذلك أمام الكافة

بما فيها صاحب سند الملكية المشهر(1).

وتبرير هذا الموقف انطلاقا من فكرة الحيازة التي تهدف إلى حماية الأوضاع الظاهرة أي حماية الحائز

والتضحية بالمالك المهمل وفقا لما تقضي به أحكام المادة 827 ق.م، هذه المادة التي سنت قاعدة

عامة دون أن تستثني العقار المملوك بسند رسمي و مشهر، فالاستثناء الوحيد الذي أورده المشرع

صراحة من حكم القاعدة يتعلق بالعقارات التي تملكها الدولة –لا غير- وذلك ما ورد بنص المادة

689 ق.م، وبذلك تصبح العقارات التي تملكها الدولة غير خاضعة للحيازة و لا يمكن اكتساب ملكيتها

بالتقادم، بينما لم يستثني المشرع العقار المشهر بالمحافظة العقارية من حكم القاعدة العامة

ولا استثناء إلا بوجود نص وعليه يحق للحائز، التمسك بملكية العقار في مواجهة الكافة بما فيهم

المالك الأصلي ولو كان يملك هذا العقار بموجب سند رسمي مشهر.

كما يؤكد هذا الاتجاه أن المرسوم رقم 83/352 جاء تطبيقا لأحكام المادة 827 ق.م وليس له إلا

وظيفة تقريرية تتمثل في إشهار الحيازة التي أصبحت سببا لكسب الملكية و تمكين الحائز من

حصوله على سند رسمي بملكيته، وتبعا لذلك لا يسمح القانون للمحافظ العقاري أن يرفض شهر

هذا المحرر استنادا إلى أن العقار محل الحيازة مملوك بموجب سند رسمي مشهر، ويبقى الحق

في الطعن في هذا المحرر محفوظا للغير(2).

وقد استقرت الغرفة المدنية بالمحكمة العليا في قضائها على مبدأ التقادم المكسب متى توافرت

أركان الحيازة وشروط صحتها دون تمييز بين العقار المملوك بسند رسمي مشهر أو الذي ليس له

مالك(3).

إن كان الاتجاه الثاني هو الأولى بالترجيح-لدى الأغلبية- نظرا للمبررات السابق ذكرها، لا سيما أن

صدور المرسوم 83/352 جاء تطبيقا لأحكام المادة 827 ق.م التي وردت مطلقة دون التمييز بين

الملكيات محل الحيازة وأنه لا تخصيص بدون مخصص. كما أن معظم الدول التي لم تجعل التقادم

المكسب سببا من أسباب كسب الملكية على العقارات المشهـرة سنداتها، أفردت نصوصـا خاصة

في هذا المجـال، بينما لا

************

(1)أنظر تعليق الأستاذ زودة عمر، على قرار الغرفة الإدارية للمحكمة العليا، الصادر في 09/03/1998 تحت رقم 129947، مجلة الموثق لسنة 1999 العدد 6 ص 15 و 16. و كذا حمدي باشا عمر، دراسات قانونية مختلفة، دار هومة، طبعة 2002، ص 151.
(1)عمر زودة، المرجع السابق، ص 16.
(3)أنظر القرار رقم 107967 المؤرخ في 10 نوفمبر 1993، المجلة القضائية لسنة 1994، العدد 01، ص 43.

***********
وجـود لنص خاص في القانون الجزائري يستثني هذه العقارات، وبالتالي حسب الرأي الغالب فإنه لا مجال

للخروج عن القاعدة العامة الواردة بنص المادة 827 ق.م إضافة إلى ذلك نجد أن المادة 45 من قانون التوجيه

العقاري(1)، نصت على أنه في حالة ظهور المالك الحقيقي عليه أن يرفع دعوى الاستحقاق للمطالبة بإلغاء

شهادة الحيازة و استرداد العقار الذي تحصل بموجبه الحائز على هذه الشهادة، في حين أنه لا مثيل لهذا

النص في المرسوم 83/352، مما جعلنا نستبعد فكرة عدم جواز كسب ملكية عقارات مشهرة سنداتها

عن طريق التقادم.

وإن كانت هذه المبررات مستساغة كوننا مقيدين بالنصوص التشريعية لا سيما القانون المدني، إلا أن

المنطق القانوني وأحكام و مبادئ الشهر العيني العقاري تجعلنا نحيد عن هذا الرأي والقول بعدم جواز

اكتساب العقار المشهر سنداته أو الممسوحة عن طريق التقادم المكسب، وهذا لأسباب كثيرة لعل

أهمها مايلي:

1-أن القاعدة العامة التي تميز نظام الشهر العيني هي رفض التقادم سواء المكسب أو المسقط في

مواجهة الحقوق المقيدة، إذ أن التقادم يتعارض صراحة ومبدأ القوة المطلقة للشهر، إذ أن نظرية السجلات

العينية لا تقر بالحقوق ما لم يثبتها مالكها بالشهر فقط، فالقول بأن وضع اليد كاف لاكتساب الملكية عن

طريق التقادم يعد هدما لسلطة السجل العيني، ونقضا لجميع النتائج الإيجابية التي يمكن أن ترجى من

هذا النظام(2).

2-إن التسليم بجواز اكتساب العقارات التي كانت محل مخطط المسح العام للأراضي على مستوى

إقليم كل بلدية، من شأنه خلق الفوضى وزعزعة استقرار الملكية العقارية التي كلفت الدولة أموالا

باهضة قصد إحصائها وضبطها ومعرفة ملاكها الحقيقيين.

3-إن مواد التقادم المكسب-على غرار بقية النصوص المدنية- استمدها المشرع من التقنين المدني

المصري الذي يعتمد بدرجة كبيرة على نظام الشهر الشخصي، عكس بلادنا التي قطعت أشواطا كبيرة

في عملية مسح الأراضي(3)، وبذلك لا نجد مجالا في بلادنا لجعل التقادم المكسب سببا كافيا لكسب

ملكية عقار سنده مشهر، مما يتعين معه إعادة النظر في القانون المدني لاسيما مضمون

المادة 827 منه حتى تتماشى وأحكام الشهر العيني الذي بدأنا في العمل بها و تجسيدها ميدانيا.

4-إن التسليم بجواز وضع اليد على العقار المسموح وإمكانية الاعتراض به على الحقوق المقيدة

بالسجل العقاري يؤدي إلى جعل العقار له مالكين اثنين في آن واحد، مالك بوضع اليد ومالك بموجب

الدفتر العقاري الذي تبقى ملكيته ثابتة رغم الادعاء بزوال حقه بالتقادم المكسب المثبت لغيره، بحيث

يحتفظ بكافة حقوقه المقررة قانونا(4)، إضافة إلى أن التسليم بعدم حظر التقادم المكسب في

الأراضي الممسوحة يؤدي حتما إلى عدم تطابق البيانات الواردة في كل من البطاقة العقارية

والسجل العقاري وفي الدفتر العقاري مع الواقع المادي والقانوني للعقار.

**************

(1)القانون رقم 90/25 المؤرخ في 18/11/1990 المتضمن قانون التوجيه العقاري.
(2)د.معوض عبد التواب، (سجل العيني علما وعملا)، ص 62.
(3)في تقرير أعده المجلس الوطني الاقتصادي والاجتماعي لسنة 98 بخصوص إشكالية العقار الفلاحي في الجزائر أشار إلى أن ما تم مسحه لحد الآن هو 3382662 هتكار ريفية و 16279 هكتار عمرانية.
(4)أنظر المادة 674 من القانون المدني والمادة 27 من القانون رقم 90/25 المؤرخ في 18/11/1990 المتضمن قانون التوجيه العقاري.

*************
5- يتضح من نص المادة 20 من قانون التوجيه العقاري السابق ذكره، أن المشرع وضع شرطا جديدا لم

يتضمنه القانون المدني فيما يخص قواعد الحيازة، إذ يشترط حصول الشخص الحائز لعقار أو شاغل له،

حصوله على سند حيازي يبرر حالته القانونية، بحيث مكن الأشخاص من الحصول على سند إداري يتمثل

في شهادة الحيازة(1) التي تخضع لشكلية الشهر العقاري، والتي على أساسها يمكن اكتساب العقار

بالتقادم أو الحصول على الدفتر العقاري بعد مضي مدة التقادم المؤقت (4 أشهر)، وبإتمام عمليات

المسح تصفي بقوة القانون الوضع القانوني لحالة العقارات المقررة بمقتضى هذه الشهادة، وقد قيد

المشرع تحرير هذه الشهادة بحيث يقتصر تسليمها على الشخص الذي مارس الحيازة في أراضي

الملكية الخاصة التي لم تحرر بشأنها عقود ولم تشملها عملية المسح العام للأراضي.

وعليه باستقراء هذه النصوص تتضح أهمية مسح الأراضي و ما ينتج عنها من ضبط وحماية للملكية

العقارية لذلك يتعين إعطاؤه مكانته وإبداء الاهتمام بالوضعية السائدة حاليا.

مما لا شك فيه أن الاعتبارات السالف ذكرها جدية وكافية لجعل الجهات القضائية تحظر التقادم

المكسب للملكية العقارية المسموحة أو المشهرة سنداتها، والمؤكد أن توحيد الأحكام القضائية سوف

يدفع بالمشرع إلى تكريس الاجتهاد القضائي ويحذو بشأنه حذو غالبية التشريعات في هذا الميدان

وينظم بذلك أحكاما صريحة في القانون المدني تقضي بهذا الحظر.

بعد محاولة إلمامنا بجميع ما يتعلق بالعقود التوثيقية المشهرة من خلال إبراز مفهوم الشهر

و شروط إخضاع العقود للشهر وآثاره، فإننا نتساءل فيما يلي عن مدى سلطة القاضي في إبطال

هذه العقود نظرا لما تكتسيه من قوة ثبوتية منحها إياها الشهر.

*************

(1)شهادة الحيازة نص عليها المشرع بالمادتين 39 و 40 من القانون 90/25 المؤرخ في 18/11/1990 المعدل والمتمم المتضمن قانون التوجيه العقاري، وصدر المرسوم التنفيذي 91/254 المؤخر في 27/07/1991 يحدد كيفيات إعدادها و الحصول عليها.

***********

إن نظام الشهر العيني يقوم أساسا على مبدأ القوة الثبوتية للشهر، الذي مفاده أن التصرفات التي تشهر

في ظل هذا النظام تعد قرينة على الملكية تسري في مواجهة الكافة فهي تطهير للملكية من كل

العيوب(1)، وبذلك يصبح التصرف سليما خاليا من العيوب مهما كان مصدرها، وعليه لا يمكن الطعن في

الحق أو العقد المشهر لا بدعوى البطلان ولا بدعوى الاستحقاق (الاسترداد)، ويكون بذلك المتصرف في

منأى من النزاعات، كما يستند هذا النظام إضافة إلى المبدأ الأول على مبدأ الشرعية الذي يستوجب تحقق

المحافظ العقاري من صحة التصرف و توفر أهلية المتصرف وخلو إرادته من العيوب، كما يتحقق من سند

الملكية ومدى مشروعية المحل وجواز التعامل فيه(2).

وانطلاقا مما سبق بيانه عن ركائز هذا النظام العقاري تتضح استحالة الطعن في التصرف أي العقد

المشهر ورغم ذلك فقد فسح المشرع مجالا للطعن وإعادة النظر في الحقوق بعد القيد الأول عن طريق

اللجوء إلى القضاء(3)، مما يؤدي إلى الإخلال بمبادئ الشهر العيني.

من هنا يطرح التساؤل حول مدى حجية الشهر في ظل هذا النظام وبالتالي مدى إمكانية الطعن في العقد

التوثيقي المشهر وما هي السلطات الممنوحة للقاضي في ذلك، وما هي شروط رفع مثل هذه الطعون

ومن هي الجهة التي يؤول لها صلاحية الفصل فيها؟

للإجابة على كل هذه التساؤلات وللإحاطة بهذه الجوانب المختلفة رأينا تقسيم هذا الفصل إلى مبحثين

نتناول في الأول مدى جواز الطعن في العقد التوثيقي المشهر، وفي الثاني رفع الدعوى الرامية إلى

الإبطال أمام القضاء.

عن المحامي