الرجوع في الهبة في التشريع الجزائري
في مستجدات, مقالات قانونية
الرجوع في الهبة في التشريع الجزائري
الهبة تصرف وشرعي ، أباحته الشرائع السماوية والقوانين الوضعية ونظمت أحكامه بقواعد ليسير
وفق ضوابط تجعله يحقق أهدافه التي يبرم من أجلها.
وقد صنف المشرع الجزائري الهبة ضمن الأحوال الشخصية ونظم أحكامها في قانون الأسرة على
عكس المشرع المصري الذي حولها إلى القانون المدني في التقنين الجديد بعد أن كانت ضمن
الأحوال الشخصية واعتبرها عقدا مدنيا خالصا ، ورغم ذلك فإن المشرع الجزائري لم يتوسع في
الهبة وأحكامها وخاصة الرجوع والذي هو حكم من أحكامها والذي سماه المالكية “الاعتصار “
وهو استعادة الواهب الشيء الموهوب بعد أن خرج من ملكيته إلى ملكية الغير .
بالرجوع الى التشريع الجزائري نجد قانون الاسرة ينص في الهبة على انها عقد ملزم
بمجرد القول على المشهور فلا يجوز الرجوع فيها بإرادة الواهب المنفردة الا استثناء
و في حدود ما اوردته المادة 211 من قانون الاسرة التي تقضي بان للأبوين
حق الرجوع في الهبة لولدهما مهما كانت سنه الا في الحالات التالية
1-اذا كانت الهبة من اجل زواج الموهوب له
2-اذا كانت الهبة لضمان قرض او قضاء دين
3-اذا تصرف الموهوب له في الشيء الموهوب ببيعه او تبرع به او ادخل
عليه ما غير طبيعته
وجاءت المادة 212 بمنع الرجوع في الهبة اذا كانت بقصد المنفعة العامة تأكيدا
للزوم عقد هبة و لمبدأ عدم الرجوع عند جمهور الفقهاء و هم المالكية الشافعية
و الحنابلة ماعدا الحنفية فالجمهور يرى المنع اما الحنفية فالأصل عندهم الحق
للواهب في الرجوع عن هبته فهي عقد غير لازم و يستندون في ذلك الى حديث
الرسول صلى الله عليه و سلم ( الواهب احق بهبته مالم يثب عنها).
ان ما جاءت به المادة 212 من ان الهبة بقصد المنفعة العامة لا رجوع فيها
فالذي تعنيه هذه المادة هو عدم جواز الرجوع بإرادة الواهب المنفردة لكنها
لا تمنع من طلب الفسخ قضاء اذا كان الواهب قد اشترط على الموهوب له
القيام بعمل للمنفعة العامة و لم ينفذ هذا الشرط ففي هذه الحالة نكون
امام هبة بعوض تقبل الفسخ لعدم اداء العوض المشترط كان يهب شخص
مبلغا من المال لجمعية خيرية لإقامة مستشفى فعدم قيام الجمعية الموهوب
لها بتنفيذ شرط الواهب يبرز طلب حق الفسخ
و تقدير الفسخ او عدم الفسخ يرجع الى سلطة القاضي حسب القواعد العامة
و لا معقب على حكمة من قبل المحكمة العليا
موانع الرجوع في الهبة في التشريع الجزائري
يستفاد من المادة 211 من قانون الاسرة ان للأبوين حق الرجوع في الهبة التي
يهبانها لولديهما مهما كانت سنه صغيرا او كبيرا بالغا او غير بالغ الا ان نص المادة
قيد حق رجوع الابوين في الحالات الثلاث الاتية
الحالة الاولى اذا وهب الاب من اجل زواج ابنه الموهوب له فليس له حق الرجوع
في الهبته ولو لم يتزوج الولد في الوقت المطلوب ما دام المقصود الزواج الذي
هو مطلوب شرعا من الموهوب له ان يقوم به
الحالة الثانية اذا وهب الاب لابنه مالا قصد به ضمان قرض او قضاء دين فليس له
الرجوع في هبته ما دام الدين لم يسدد بها و اصبح المال الموهوب ضامنا للدين
و الواهب بمثابة الكفيل الضامن مادام قد التزم بإرادته المنفردة بقصد ضمان
الدين او قضائه و هذا ما نصت عليه الفقرة الثانية من المادة 211 من ق.م
الحالة الثالثة التي قيد حق رجوع الواهب فيها هي ما نصت عليه الفقرة الثالثة
بقولها اذا تصرف الموهوب له في الشيء الموهوب ببيع او تبرع او ضاع منه او
ادخل عليه ما غير طبيعته فاذا تصرف الموهوب له بيع الشيء الموهوب او تبرع
به فان هذا يمنع الواهب من استعمال حقه في الرجوع لان المال خرج من تحت
يد الموهوب له بالبيع و التبرع و النص في هذه الحالة لا يخول له حق الرجوع
كما ان ضياع الشيء الموهوب من الموهوب له او هلاكه يمنع الواهب من الحق
في الرجوع في هبته.
و اخيرا اذا قام الموهوب له بإدخال تعديلات على الشيء الموهوب بالزيادة او
بالنقصان ان كان ارضا عارية وبناها بناء غير من طبيعتها او اصبحت ارضا مشجرة
صرف عليها اموالا باهظة فأحياها واوجد بها تشجير و اجرى بها الماء كل ذلك اذا
غير من طبيعتها فهذا الامر هو الاخر يمنع الواهب من حق الرجوع في هبته
و يحرمه من استعمال هذا الحق بمقتضى نص الفقرة الثالثة من المادة 211 من ق م .
ويلاحظ ان نص المادة 211 لم يذكر كل حالات المنع الواردة في الفقه المالكي
الذي هو المصدر الاساسي لأحكام قانون الاسرة و يمكن القول بان الحالات
التي وردت بهذه المادة جاءت على سبيل المثال لا الحصر بالنسبة الى موانع
حق الرجوع في الهبة ذلك ان الفقه المالكي يذكر حالات اخرى الى جانب
زيادة الشيء الموهوب او نقصه مثل مرض الواهب او الموهوب له فهل يسوغ
الاخذ بها اولا اذا سلمنا انها جاءت على سبيل المثال باعتبار انه اذا لم يوجد نص
يرجع الى الاحكام الشرعية و ذلك بمقتضى المادة 222 من قانون الاسرة فعند
الاخذ بهذه الحالة لأنها تحل نزاعا يمكن ان يحدث في التعامل في هذا الشأن
و هذه الحالات هي ايضا تسقط حق الاب و الام في الاعتصار اذا وجدت وهي:
اولا زيادة الشيء الموهوب او نقصه في ذاته كان يكبر الصغير ويسمن الهزيل
او يهزل السمين اما اذا تغيرت قيمة الشيء الموهوب لغير سعر السوق فذلك
لا يمنع الرجوع في الهبة على المشهور لان الهبة على حالها ولم تتغير وزيادة
القيمة او نقصها لا اثر لها كاختلاف السعر من مكان الى اخر.
ثانيا مرض الولد الموهوب له مرض الموت و ذلك لتعليق حق الورثة بالهبة
فيمتنع اعتصارها.
ثالثا مرض الواهب مرض الموت فانه يمنعه من اعتصار ما وهبه لولده لان
اعتصاره اياه قد يكون لغيره لكن وهب الوالد ولده المتزوج او مريض او المدين
او كان الوالد مريضا وقت الهبة فله الاعتصار و كذلك الحكم اذا زال المرض القائم
بالواهب او الموهوب له بخلاف ما اذا زال النكاح او الدين فلا اعتصار و ذلك لان
المريض لم يعامل الناس بخلاف النكاح و الدين و مقتضى هذا التعليل ان زوال
ما منع الاعتصار بالزيادة في الشيء الموهوب و نقصه حكمة حكم زوال المرض
في جواز الاعتصار
رابعا الفقر فمن موانع الاعتصار فقر الموهوب له صغيرا كان او كبير لان فقره
وقت الهبة قرينة تدل على الصدقة و الصدقة لا اعتصار فيها .
2020-09-08