الدفع بعدم دستورية القوانين حق جديد للمتقاضي
في مساهمة بتوقيع, مستجدات
بقلم الأستاذة/ بن ساسي حياة
الدفع بعدم دستورية القوانين حق ممنوح لكل متقاضي أمام القضاء العادي والقضاء الإداري إذا
تبين له أن الحكم التشريعي (النص القانوني) الذي يتوقف عليه مآل النزاع أو المتابعة الجزائية
ينتهك الحقوق والحريات التي يضمنها الدستور. ما يعني أن كل طرف سواء كان مدعي ،
مدعى عليه أو مدخلا أو متدخلا في الخصام أو النيابة في قضايا شؤون الأسرة باعتبارها طرفا
أصليا (لها حق الإدعاء) المادة 3 مكرر من قانون الأسرة إذا تبين له أن الأساس القانوني
(الحكم التشريعي ) التي سوف يؤسس عليه الحكم غير دستوري يمس وينتهك الحقوق
والحريات له الحق في هذا الدفع أمام الجهات القضائية المعروض عليها الدعوى في أي مرحلة
كان عليها النزاع سواء أمام المحكمة الإبتدائية، الإستئناف أوغرفة الإتهام وحتى أمام المحكمة
العليا ومجلس الدولة لأول مرة بشرط أن يكو ن قد رفع دعوى في الموضوع ولم يفصل فيها
بعد بإخطار المجلس الدستوري عن طريق الإحالة من المحكمة العليا أو مجلس الدولة هذه
الآلية الجديدة أدرجها التعديل الدستوري مارس 2016
وتاريخ السابع (07) مارس 2019 هو بداية سريان قانون الدفع بعدم دستورية القوانين التي
تنتهك وتمس الحقوق والحريات المكفولة بالدستور تطبيقا للقانون العضوي رقم 18-16 مؤرخ
في 22 ذي الحجة عام 1439 الموافق 2 سبتمبر سنة 2018 الذي يحدد شروط وكيفيات
تطبيق الدفع بعدم الدستورية
المنصوص عليه في المادة 188 من دستور 2016 الجزائري، ويعتبر هذا الدفع شكل من
أشكال الرقابة القضائية وتندرج من القضاء الفرعي وتسمى برقابة الإمتناع وتمارس بسلطة
الدفع لا الدعوى عكس رقابة الإلغاء التي تمارس بدعوى أصلية تطالب بإلغاء القانون المخالف
للدستوروتعد التجربة الأمريكية في الرقابة على دستورية القوانين من أقدم التجارب
والنص التشريعي الذي يمكن الإحتجاج بعدم دستوريته ذو صبغة تشريعية أي قانون تم
التصويت عليه من طرف البرلمان دون النصوص التنظيمية حيث جاء في المادة 191/2 من
الدستور إذا اعتبر نص تشريعي ما غير دستوري فإن هذا النص يفقد أثره من اليوم الذي يحدده
المجلس الدستوري على عكس الإخطار بعدم الدستورية من قبل السلطات العليا وكذا البرلمانيين
الذي يطال النصوص التشريعية والتنظيمية معا المادة 191/1 من الدستور
وفي حالة الدعوى الجزائية إذا تم الدفع بعدم دستورية القوانين أثناء التحقيق تنظر فيه غرفة
الإتهام كما جاء في هذا القانون العضوي 18-16 ، وبما أن غرفة الإتهام درجة عليا للتحقيق
فهي التي تنظر في الدفع بإيداع مذكرة الدفع بعدم الدستورية مسببة بأمانة ضبط الغرفة طبقا
للمادة 5 من نفس القانون
ولا يمكن إثارة هذا الدفع أمام محكمة الجنايات الإبتدائية طبقا للمادة 3 منه ، غير أنه في
مرحلة الإستئناف يمكن الدفع بعدم الدستورية بموجب مذكرة مكتوبة ترفق بالتصريح
بالإستئناف وتنظر محكمة الجنايات في الدفع قبل فتح باب المناقشة
ولا يعد الدفع بعدم دستورية القوانين من النظام العام لأنه لا يثار تلقائيا من طرف القاضي
حسب المادة 4 من القانون العضوي
أما عن شروط وكيفيات ممارسة هذا الحق ( الدفع بعدم الدستورية) تتم حسب الأتي
يقدم الدفع بمذكرة مكتوبة ومسببة و منفصلة (مذكرة الدفع بعدم الدستورية) لان الدفع لا يثار
في العريضة الإفتتاحية ولا في مذكرات الرد أو عرائض التدخل والإدخال وبالتالي لا تدمغ
المذكرة طبقا للمرسوم التنفيذي رقم 18-185 مؤرخ في 26 شوال عام 1439 الموافق 10
يوليو سنة 2018 الذي يحدد قيمة دمغة المحاماة وكيفيات تحصيلها، لأن المادة 3 منه عرفت
العرائض في مفهوم المرسوم على سبيل الحصر ولم تذكر مذكرة الدفع بعدم دستورية القوانين
تفصل الجهة القضائية المختصة فورا بقرار مسبب في إرسال الدفع بعدم الدستورية إلى
المحكمة العليا أو مجلس الدولة بعد استطلاع رأي النيابة العامة لدى المحكمة الإبتدائية أو
المجلس أو محكمة الجنايات أو محافظ الدولة لدى المحكمة الإدارية، وإذا تعلق الأمر بمحكمة
الجنايات التي تضم تشكيلتها مساعدين غير قضاة تفصل دون حضورهم
تفحص الجهة القضائية التي تم التمسك أمامها بالدفع مدى توفر شروط قبوله وهي
1- أن يتوقف الحكم التشريعي (النص القانوني) المعترض عليه على مصير النزاع أو أن يشكل
أساس المتابعة بمعنى يكون القضاء أو المتابعة بناءا على الحكم التشريعي الذي يدفع بعدم
دستوريته
2 – ألا يكون هذا الدفع قد سبق التصريح بمطابقته للدستور (بدستوريته) من طرف المجلس
الدستوري أي تم الدفع به سابقا وقضى المجلس الدستوري بمطابقته للدستور باعتبار المجلس
الدستوري مكلف بالسهر على احترام الدستور طبقا للمادة 163 منه ، باستثناء حال تغير
الظروف مثلا في حال إلغاء أو تعديل أحكام القانون
3 – أن يتسم الدفع والوجه المثار بالجدية
وتطبيقا للدفع يرسل قرار إرسال الدفع بعدم الدستورية في أجل 10 أيام مع ملف الأطراف
المتضمن عرائضهم ومذكراتهم إلى المحكمة العليا أو المجلس الدستوري ويتم تبليغ الأطراف
وقرار الإرسال غير قابل لأي طعن ، وفي هذه الحالة ترجئ الجهة القضائية المختصة بالنزاع
الفصل إلى غاية توصلها بقرار المحكمة العليا أو مجلس الدولة أو المجلس الدستوري عند
إحالة الدفع إليه حسب مقتضيات المادة 10 لكن
فيما يخص جهة التحقيق (غرفة الإتهام) لا يترتب على ذلك وقف سير التحقيق وعلى الجهة
القضائية أخذ التدابير المؤقتة أو التحفظية
أما فيما يخص قرار الرفض (رفض إرسال الدفع) إلى المجلس الدستوري يبلغ للأطراف ولا
يمكن أن يكون محل اعتراض إلا إذا تم الطعن ضد القرار الفاصل في الدعوى أو في جزء منه
وتقدم بسببه مذكرة مكتوبة منفصلة ومسببة طبقا لإجراءات تقديم وإيداع المذكرات .
غير أنه لابد للجهة القضائية في حال الحرمان من الحرية عدم إرجاء الفصل في النزاع إذا نص
القانون على الآجال المحددة قانونا أو على سبيل الاستعجال
وإذا قضت الجهة القضائية الابتدائية دون إنتظار القرار المتعلق بالدفع بعدم الدستورية وتم
إستئناف الحكم ترجئ جهة الاستئناف النظر والفصل فيه إلا في حالة شخص محروم من الحرية
أو عندما يؤول الحكم إلى الحرمان من الحرية أو على سبيل الاستعجال
وفي حال الفصل في القضية دون انتظار قرار المحكمة العليا أو مجلس الدولة أو المجلس
الدستوري وقدم طعن بالنقض يتم إرجاء الفصل في الطعن إلى غاية الفصل في الدفع بعدم
الدستورية مع مراعاة الإستثناءات المذكورة أعلاه
تفصل المحكمة العليا ومجلس الدولة في إحالة الدفع في أجل شهرين (2) من تاريخ استلام
الإرسال إذا قدم الدفع بعدم الدستورية أول مرة أمام المحكمة العليا أو مجلس الدولة وحسب
الحالة يفصلان على سبيل الأولوية في إحالته على المجلس الدستوري في أجل شهرين(2) من
تاريخ تقديم الدفع ، ويوجه قرار إرسال الدفع إلى الرئيس الأول للمحكمة العليا أو رئيس مجلس
الدولة وفورا يستطلعان رأي النائب العام (محكمة عليا) أو محافظ الدولة( مجلس الدولة) ويتم
تبليغ مذكرة الدفع للأطراف ومن حقهم تقديم ملاحظاتهم كتابيا
يصدر قرار المحكمة العليا أو مجلس الدولة حسب كل اختصاص بتشكيلة يرأسها رئيس كل
جهة،وعند الإحالة يرسل إلى المجلس الدستوري القرار المسبب مرفوقا بمذكرات وعرائض
الأطراف ، وفي هذه الحالة ومراعاة للاستثناءات المذكورة أعلاه يتعين إرجاء الفصل
يبلغ الأطراف بعدم الدستورية بقرار المحكمة العليا أو مجلس الدولة في أجل 10 أيام من تاريخ
صدوره وكذلك يتم إعلام الجهة القضائية التي أرسلت الدفع
وفي حالة عدم الفصل في الآجال ( 02 شهرين ) يحال الدفع بعدم الدستورية تلقائيا إلى
المجلس الدستوري
تكون جلسة المجلس الدستوري علنية إلا في الحالات والاستثناءات المحددة في نظام عمله
وللمحامين وممثل الحكومة الحق في تقديم ملاحظاتهم خلال نقاش وجاهي
وحسب الفصل الرابع الخاص بالأحكام المطبقة أمام المجلس الدستوري يعلم هذا الأخير فورا
رئيس الجمهورية عند إخطاره كما يعلم رئيس مجلس الأمة ورئيس المجلس الشعبي الوطني
والوزير الأول حول الدفع المعروض عليهم
يتداول المجلس الدستوري في جلسة مغلقة ولا يصح أن يفصل في أي مسألة إلا بحضور 10
من أعضائه على الأقل ويتخذ قراراته بأغلبية أعضائه وفي حالة تساوي الأصوات يرجح صوت
رئيس المجلس الدستوري أو رئيس الجلسة ، يوقع الأعضاء الحاضرون وكاتب الجلسة (الأمين
العام) محاضر جلسات المجلس الدستوري
وباعتبار أن الحق في الدفاع معترف به ،والحق في الدفاع مضمون في القضايا الجزائية طبقا
للمادة 151 من الدستور ولكن مع ذلك لم يشترط القانون العضوي إلزامية توقيع محامي على
مذكرة الدفع أمام المحكمة الابتدائية خاصة وأن هذا الدفع يتطلب التخصص والمعرفة القانونية
في حين أن شرط توقيع المحامي على طلب الدفع بعدم الدستورية من النظام العام في أغلب
الدول التي تؤطر قوانينها هذا الدفع
أما انقضاء الدعوى التي تمت بسببها إثارة الدفع لا يؤثر على الفصل في الدفع بعدم الدستورية
التي تم إخطار المجلس الدستوري به وقرار المجلس الدستوري يبلغ للمحكمة العليا أو مجلس
الدولة لإعلام الجهة القضائية التي أثير أمامها الدفع بعدم الدستورية
وطبقا لهذا القانون ينشر قرار المجلس الدستوري في الجريدة الرسمية للجمهورية الجزائرية
الديمقراطية الشعبية والهدف من ذلك إذا كان الحكم التشريعي قضى بمطابقة الدستور لا يمكن
إثارته من جديد طبقا للماد ة 8 من القانون العضوي أما إذا كان الحكم التشريعي أقر بعدم
الدستورية يمتنع القاضي عن تطبيقه ويفقد أثره ابتداء من اليوم المحدد من طرف المجلس
الدستوري
وللإشارة فإن هذا القانون لم يتطرق للدفع بعدم الدستورية أمام محكمة التنازع والمحكمة
العسكرية والمحكمة العليا للدولة طبقا للمادة المنصوص عليها في المادة 158/1 من الدستور .
إن المجلس الدستوري هيئة تسهر على احترام الدستور، و مبدأ الشرعية يقوم على احترام
الحقوق والحريات وآلية الدفع بعدم الدستورية تهدف إلى تطهير وغربلة المنظومة القانونية من
الأحكام التي تمس بالحقوق والحريات و توسيع الإخطار إلى الأفراد الذين يطبق عليهم القانون
مباشرة و إشراكهم في عملية الرقابة ما ينتج عنه التوازن الذي يخدم دولة القانون ويعمق
الديمقراطية حماية للحقوق وللحريات الفردية والجماعية وتوسيع الضمانات الممنوحة للأفراد
طبقا لأحكام الدستور ووحده التطبيق الفعلي الميداني من يثبت نجاعة هذا الإجراء من عدمه
المراجع
1- الدستور 2016 و الدستور حسب آخر تعديل له نوفمبر 2008
2- القانون العضوي للقانون العضوي رقم 18-16 مؤرخ في 22 ذي الحجة عام 1439
الموافق 2 سبتمبر سنة 2018 الذي يحدد شروط وكيفيات تطبيق الدفع بعدم الدستورية
3- النظام المحدد لقواعد المجلس الدستوري مؤرخ في شعبان عام 1437هـ 11 مايو
2016 م
4- المرسوم التنفيذي رقم 18-185 مؤرخ في 26 شوال عام 1439 الموافق 10 يوليو سنة
2018 يحدد قيمة دمغة المحاماة وكيفيات تحصيلها
بقلم الأستاذة/ بن ساسي حياة
2019-06-30