التطليق للضرر المعتبر شرعا في الاجتهاد القضائي الجزائري
في محاضرات و بحوث, مستجدات
بحث بعنوان التطليق للضرر المعتبر شرعا في الاجتهاد القضائي الجزائري
ملخص البحث
جاء في مشروع قانون الأحوال الشخصية العربي الموحد المواد 108/113 ما يلي: التطليق للضرر، و الشقاق
بين الزوجين، قال به الإمام مالك، و هو أصح القولين عند الحنابلة، و أصبح هو السائد في قوانين الأحوال
الشخصية المعمول بها في كثير من البلاد العربية. ذلك أنّ الحياة الزوجية تصبح بالشقاق و النزاع المستحكم ،
جحيما و بلاء، و الشقاق بين الزوجين مجلبة لأضرار كثيرة ، لا يقتصر أثرها على الزوجين فقط بل يتعداهما إلى
ما خلق الله بينهما من ذرية، و إلى كثير ممن له بهما علاقة قرابة، أو مصاهرة ، إذ الضرر يزال بموجب قول الله
تعالى في الآية 35 من سورة النساء ” و إن خفتم شقاق بينهما فابعثوا حكما من أهله و حكما من أهلها إن
يريدا إصلاحا يوفق الله بينها ، إن الله كان عليما خبيرا”. و هو مبدأ أقرته المادة 53 من قانون الأسرة الجزائري
في الفقرة العاشرة بقول المقنن ” كل ضرر معتبر شرعا “. إنّ المشرع الجزائري لم يتقيد بضرر معين، فأجاز
للزوجة إذا تضررت من تصرفات زوجها التي تتنافى مع مقتضى الشرع و أهداف عقد الزواج أن ترفع أمرها إلى
القاضي لتطلب التطليق. فإذا ادّعت الزوجة إضرار الزوج بها، بأي نوع من أنواع الضرر الذي لا يستطيع معه
دوام العشرة بينهما، و ثبت ما ادّعته من الضرر و عجز القاضي عن الإصلاح بينهما طلقها عليه. أما معيار تقدير
تضرر الزوجة، فهو معيار شخصي يختلف من امرأة لأخرى، باختلاف البيئة و الثقافة و العمل و الوسط
الاجتماعي… هذا ، و إنّ هذا النص القانوني ” كل ضرر معتبر شرعا ” يعتبر من أكثر النصوص مرونة ، و خدمة
لمصلحة المرأة ، حيث أطلق الضرر الموجب للتفريق بين الزوجين دون حصر ذلك في إيذاء مادي أو معنوي،
و دون تحديد درجة الضرر من حيث الشدة و الخفة ، أو من حيث وقوع الضرر مرة واحدة أو بشكل متكرر، إنما
الفاصل في كل ذلك هو السلطة التقديرية للقاضي ، فهو الذي يعين و يقدر الضرر موضوع الدعوى ، مع
الاستناد إلى ما جرى عليه الشرع و العرف و الاجتهاد القضائي. فللزوجة وفق هذا المبدأ أن تطالب زوجها
بالتطليق للضرر الذي أصابها من أقواله أو أفعاله أو سلوكاته ، طالما لا تستطيع مواصلة العشرة الزوجية
معه، سواء كانت هذه التصرفات الضارة شتما أو سبا أو ضربا أو إعراضا عنها ، أو ابتزازا لأموالها ، أم إجحافا
بحقوقها المترتبة عن عقد الرابطة الزوجية. و يكون الضرر معتبرا شرعا إذا لم يوفر الزوج السكن اللائق
الشرعي ، أو أهمل النفقة الشرعية ، أو أساء معاشرة الزوجة ، عن طريق إهانات خطيرة أو جسيمة ،
أو قساوة المعاملة ، أو أنه ترك البيت الزوجي ، أو تهرب من الواجبات الزوجية بدون سبب شرعي …
فالضابط في معيار الضرر هو الضرر الذي ينشئ خلافات و كراهية بين الزوجين ، الذي يستحيل معه
استمرار الحياة الزوجية، إذ أن القضاء لا يحكم للزوجة إلا إذا أثبتت ذلك و هذا ما أكدته المحكمة العليا
في قرارها. و قد صدرت عن المحكمة العليا أيضا عدة قرارات في شأن التطليق للضرر نذكر منها : 1.
ملف رقم: 34791 قرار بتاريخ: 19/11/1984 تطليق – أسبابه – ضرر بين – عدم دفع نفقة لمدة تزيد
على شهرين – سبب مبرر للتطليق متى كان من المقرر فقها وقضاء في أحكام الشريعة الإسلامية
أن عدم الإنفاق على الزوجة لمدة تزيد على شهرين متتابعين يكون مبررا لطلبها التطليق عن زوجها
وذلك وفقا لما نص عليه الفقيه ابن عصام، بقوله: الزوج إن عجز عن إنفاق لأجل شهرين ذو استحقاق
بعدهما الطلاق من فعله وعاجز عن كسوة كمثله فإن القضاء بما يخالف أحكام هذه المبادئ يعد خرقا
لقواعد فقهية مستمدة من الشريعة الإسلامية. إذا كان الثابت أن المطعون ضده أدين جزائيا من محكمة
الجنح بتهمة الإهمال العائلي وحكم عليه غيابيا بسنة حبسا منفذة، فإن قضاة الاستئناف كان كذلك
استوجب نقض القرار المطعون فيه تأسيسا على الوجه المثار من الطاعنة في هذا الشأن م. ق
العدد 3/1989 2. ملف رقم: 135435 بتاريخ: 23/04/1996 طلاق قبل الدخول – طلب التطليق
مع التعويض – استنادا على وجود ضرر معتبر شرعا. من المقرر قانونا أنه “يجوز للزوجة طلب التطليق
مع التعويض استنادا على وجود ضرر معتبر شرعا”. ولما ثبت – في قضية الحال – أن القضية تتعلق
بزواج تام الأركان، إلا أن الزوج تأخر عن الدخول بزوجته لمدة 5 سنوات، فإنه بذلك يعتبر تعسفا في
حقها، ويبرر التعويض الممنوح لها مما يتعين رفض الطعن. 3. ملف رقم: 139353
قرار بتاريخ: 24/09/1996 تطليق – بناء على استمرار الشقاق بين الزوجين إن استفحال الشقاق
بين الزوجين يقضي بالتفريق القضائي شرعا. ولما كان ثابتا – في قضية الحال – أن المطعون ضدها
تضررت من جراء استفحال الخصام مع زوجها لمدة طويلة مما نتج عن إصابتها بمرض الأعصاب وأصبحت
الحياة مستحيلة بينهما. فإن القضاة بقضائهم بتطليق الزوجة لهذا السبب كافي للتفريق القضائي طبقوا
صحيح القانون، ومتى كان كذلك استوجب رفض الطعن. المجلة القضائية 2/1997. 4.
ملف رقم: 192665 قرار بتاريخ: 21/07/1998 قضية: (غ ق) ضد: (ب ح) من المقرر قانونا أنه يجوز
تطليق الزوجة عند تضررها ومن المقرر أيضا أنه إذا تعسف الزوج في الطلاق حكم للمطلقة بالتعويض
عن الضرر اللاحق بها. ومتى تبين – في قضية الحال – أن الزوجة طلبت التطليق لتضررها من ضرب
الزوج وطردها وإهمالها مع أولادها وعدم الإنفاق عليهم الأمر الذي يجعلها محقة في طلب التطليق
والتعويض معا لثبوت تضررها وعليه فإن قضاة الموضوع لما قضوا بتطليق الزوجة وتعويضها طبقوا
صحيح القانون. ومتى كان كذلك استوجب رفض الطعن. الاجتهاد القضائي لغرفة الأحوال الشخصية،
عدد خاص 2001، الصفحة 116. 5. ملف رقم 213571 قرار بتاريخ: 16/02/1999 قضية: (ض ب)
ضد: (ر ح) من المقرر قانونا أنه يجوز للزوجة أن تطلب التطليق لكل ضرر معتبر شرعا. ومتى تبين
– في قضية الحال – أن المعاشرة الزوجية كانت طويلة بين الزوجين وأن الطاعن لم ينجب أطفالا
طيلة هذه المدة الطويلة مما أدى بالزوجة إلى أن تطلب التطليق لتضررها لعدم الإنجاب، وعليه
فإن قضاة الموضوع بقضائهم بتطليق الزوجة بسبب العيب الذي يحول دون تحقيق الهدف من
الزواج طبقوا القانون تطبيقا سليما. ومتى كان كذلك استوجب رفض الطعن. الاجتهاد القضائي
لغرفة الأحوال الشخصية، عدد خاص 2001، الصفحة 119. 6. ملف رقم: 222134 قرار بتاريخ:
18/05/1999 قضية: (ب خ) ضد: (ب ت) من المقرر قانونا أنه يجوز للزوجة أن تطلب التطليق لكل
ضرر معتبر شرعا، كما أن تقدير الضرر يخضع للسلطة التقديرية لقضاة الموضوع. ومتى تبين
– من قضية الحال – أن الزوجة متضررة من عدم الإنفاق والضرب الذي تعرضت له من طرف الزوج
فإن قضاة الموضوع بقضائهم بتطليق الزوجة لثبوت تضررها فإن تقديرهم كان سليما وطبقوا صحيح
القانون. ومتى كان كذلك استوجب رفض الطعن. الاجتهاد القضائي لغرفة الأحوال الشخصية، عدد
خاص 2001، الصفحة 126. 7. ملف رقم: 224655 قرار بتاريخ: 15/06/1999 قضية: (ر ن د) ضد:
(د ف) من المستقر عليه قضاء أنه يجوز تطليق الزوجة لاستفحال الخصام وطول مدته بين الزوجين
باعتباره ضررا شرعيا. ومتى تبين – من قضية الحال – أن الزوجة تضررت لمدة طول الخصام مع
الزوج وأن الزوج هو المسؤول عن الضرر لأنه لم يمتثل للقضاء بتوفير سكن منفرد للزوجة مما يجعل
الزوجة متضررة ومحقة في طلبها التعويض. وعليه فإن قضاة الموضوع لما قضوا بتطليق الزوجة
لطول الخصام وبتظليم الزوج وتعويض الزوجة طبقوا صحيح القانون. ومتى كان كذلك استوجب رفض
الطعن القرار الصادر بتاريخ 20/02/1991 تحت رقم 75588، جاء فيه “من المقرر قانونا أنه يجوز طلب
التطليق لكل ضرر معتبر شرعا و لاسيما عند مخالفة شروط تعدد الزوجات أو التوقف عن النفقة أو أي
ضرر آخر ينتج عن بقاء العصمة الزوجية. و لما كان من الثابت في قضية الحال أن المجلس القضائي
عندما قضى بتطليق الزوجة بسبب بقائها مدة تقارب الخمس سنوات لا هي متزوجة و لا هي مطلقة
باعتبارها خرجت من بيت الزوجية و أخذت كل أثاثها منه و استحالت الحياة الزوجية، فإن القضاة لما
حكموا طبقوا صحيح القانون و متى كان ذلك استوجب رفض الطعن
2018-06-03