الرئيسية / مستجدات / أحكام التنزيل في القانون الجزائري

أحكام التنزيل في القانون الجزائري

الأستاذ صالح ججيك الورثلاني

بسم الله الرحمن الرحيم

مقال

أحكام التنزيل في القانون الجزائري

الحمد لله وكفى، والصلاة والسلام على المصطفى، وعلى آله وصحبه ومن اتبع هداه إلى يوم الدين.

التنزيل مسألة معقدة على مستوى الدراسة النظرية، وعلى مستوى التطبيق العلمي، لأنه وليد اجتهاد فقهي،

تلقفته القوانين الوضعية ليصبح من موضوعات فقه الميراث وتطبيقاته، مما أفرز إشكاليات قبول الجسم لعضو

جديد عليه من عدمه.

وفي هذه الدراسة أتناول بالتحليل مختلف جوانب هذا الموضوع من الناحية العملية، مرجئا الدراسة النظرية

لمشروع كتاب في الموضوع- بإذن الله- و ذلك وفق المحاور الآتية:

ـ مقدمــــــــــــــــــة

المحور الأول/ تحليل المادة: 169، من قانون الأسرة الجزائري.

المحور الثاني/ تحليل المادتين: 170-171 المواليتين.

المحور الثالث/ تحليل المادة: 172، الأخيرة.

المحور الرابع/ تحليل المادة: 168، من نفس القانون.

– الخاتمة.

المقدمـــــــــــــــــة

لقد صدر قانون الأسرة الجزائري بتاريخ: 09 جوان 1984 تحت رقم:84-11،(1) متضمنا الكتاب الثالث الخاص

بالميراث.

وقد جاءت أحكام هذا القانون في الميراث مطابقة لأحكام الشريعة الإسلامية على مذهب الإمام مالك، إلا في

مسألتين وهما الرد، والدفع، اللتان استمدهما المشرع الجزائري من الفقه الحنفي، وفي مسألة ثالثة هي التنزيل

الذي استقاه من القانون المقارن.

                        ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

  • ـ منشورفي الجريدة الرسمية بتاريخ:12 جوان1984، مما استوجب تطبيقه ابتداء من:13 جوان

ولعل الآية الكريمة: “وإذا حضر القسمة أولوا القربى واليتامى والمساكين فارزقوهم منه وقولوا لهم قولا معروفا”

الآية:8، من سورة النساء، جعلت ابن حزم الظاهري يرى أن من تلحقه المنية، تاركا أبناء، وأولاد ابن (توفي أبوهم

قبل أبيه)، فإن الأبناء في هذه الصورة يحجبون أولاد أخيهم من الميراث، وهم اليتامى الضعاف.

أقول: إن هذه المسألة جعلت ابن حزم يفكر في إعطائهم شيئا بوصية مفترضة، من قبل الجد، وليس بالميراث

لأنهم محجوبين من الميراث قطعا، ولم يخالف أحد ذلك أبدا.

وإن كان سيدنا ـ علي كرم الله وجهه ـ أول من زرع البذرة الأولى لهذه المسألة ـ فقال رضي الله عنه: إن الحفدة

أولى بالاستحقاق بموجب هذه الآية الكريمة، لأن هؤلاء الأحفاد يتامى، ضعاف، وهم أقرب الناس إلى جدهم، وهم

أيضا أحق الناس، بنص الآية التي جاء ذكر صفتهم فيها.

وبقيت فكرة ابن حزم مجردة في الكتب إلى أن جاهد في سبيلها الشيخ علي الطنطاوي،(1) واستطاع أن يقنع

البرلمان المصري بجعل الحفدة يستحقون حق أبيهم في تركة جدهم، على أن لا يتجاوز هذا الحق ثلث التركة، لأن

هذا العطاء وصية، وحد الوصية الثلث، فصدر القانون المصري متضمنا هذا الحق باسم:”الوصية الواجبة” لأول مرة

في تاريخ التشريع المقارن.

ولما صدر قانون الأسرة الجزائري، تضمن هذا الحق في المواد: 169- 172، تحت عنوان التنزيل.

على اختلاف بين مواد الوصية الواجبة في القانون المصري، وبين مواد التنزيل في القانون الجزائري.

هذا الاختلاف، أثر في تطبيق مواد التنزيل في الجزائر إلى درجة اختلاف المطبقين في الميدان(الموثقين)،فصدرت

أحكام قضائية،في الموضوع، كما أحيل الموضوع على الإفتاء، وحتى الكتب التي صدرت في هذا الموضوع

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

  • الشيخ علي طنطاوي: أستاذ كرسي بجامعة دمشق، معار لمصرللمساهمة في إعداد مدونة الأحوال الشخصية.

جاءت متضاربة في تحديد الحفدة، وأخص بالذكر كتاب الدكتور دغيش أحمد، الذي تجاوز حد الرأي والنقد، إلى حد

التجريح، وقد رددت عليه بمقال مقتضب نلحقه بهذا المقال إنصافا لمادة الميراث أولا، وإنصافا لمن كانت كتابة هذا

الدكتور قاسية عليهم بحق.

المحور الأول

تحليل المادة:169، من قانون الأسرة الجزائري.

تنص المادة:169، على ما يلي:”من توفي وله أحفاد وقد مات مورثهم قبله أومعه وجب تنزيلهم منزلة أصلهم في

التركة، بالشرائط التالية: (وهذه الشروط محددة في المواد الموالية لهذه المادة.)

أولا: توضيح المصطلحات و شرح المادة.

أ- المصطلحات

أحفاد: الحفدة إصطلاحا هم أولاد الأبناء(1) دون أولاد البنات، الذين يسمون أسباطا.

– مورثهم: هو الأب دون الأم، لأن الأنثى في هذا الموقع تسمى “مورثة”.

ـ وجب: إحلال إرادة المشرع محل إرادة الجد المتوفى.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

1ـ راجع: فتاوي معاصرة للشيخ يوسف القرضاوي ص:131

              فتوى للشيخ علي طنطاوي في كتابه: فتاوى ص 266.

              فتوى فضيلة الشيخ أحمد حماني الصادرة بتاريخ:19 أفريل1992.

 ـ   كتاب فضيلته فتاوى الشيخ أحمد حماني: استشارات شرعية ومباحث فقهية،الجزء الثاني،  ص:161 ،

               وفي القانون راجع مضمون المادتين 41 و43، من قانون الأسرة.

ـ تنزيلهم: وضعهم في موقع أبيهم المتوفى قبل أبيه، لينوبهم ماكان ينوبه أن لوكان حيا.

ـ أصلهم: في اصطلاح علم الميراث هو أبوهم دون أمهم لأن الأم ليست أصلا لولدها، ولكنها رحمه.

ب- شرح هذه المادة:

إن القانون الجزائري يحدد المستحقين بالتنزيل بأولاد الأبناء دون أولاد البنات (الذين يشكلون مجموعة ذوي الرحم

طبقا للمادة : 168، من قانون الأسرة الجزائري، كما سنرى لاحقا في المحور الرابع)

و التنزيل منصوص عليه في قانون الأسرة الجزائري في المواد: 169-172.

ولكي يستحق هؤلاء الأحفاد (أولاد الأبناء)، دون أولاد البنات (الذين يسمون اصطلاحا الأسباط ومفرده سبط)،

يشترط فيهم شرط أساسي و هو أن يكونوا محجوبين بالابن (أي عمهم)، فإن لم يكونوا محجوبين بالابن فهم عندئذ

ورثة شرعيون يرثون حقهم وفق قواعد الشرع في الميراث، و يسمونٍ في هذه الحالة فروعا للهالك، يرثون تعصيبا

إن كان منهم ذكر (ابن ابن)، و بالفرض إن كانت أنثى أو إناثا و يسمين بنت الابن، أو بنات الابن.

فإن حجبوا من الميراث وهو مركزهم الشرعي، انتقلوا إلى مركز قانوني يسمى: ” التنزيل” بصفتهم حفدة، وهم

ضعفاء المركز المالي، إذ أنهم عادة ما يكونون يتامى صغارا، لايجدون من يرعاهم سوى الجد، والأعمام، فإن الجد

يتخذ مركز الأب بالنسبة لهم، فيتولى تربيتهم، ورعايتهم، وإحدى أهم الضمانات التي يوليها الجد لحفدته هي:

تنزيلهم منزلة أبيهم لينوبهم  حق أبيهم في تركة جدهم عند وفاته.

وقد جرت العادة في المجتمع الجزائري، بتنزيل هؤلاء الأحفاد من قبل جدهم، و يطلق عليه عامة الناس “الغرس”،

او الغراسة”، أي أن الجد يغرس أولاد ابنه في موقع أبيهم، المتوفي قبله كي ينوبهم ما كان ينوب أباهم مع

أعمامهم حين وفاة جدهم- المنزل- و خاصة  في مرحلة ما بعد الاستقلال، حيث خلفت الثورة التحريرية أولاد

الشهداء، وهم يتامى يستوجب الأمر تنزيلهم من طرف أجدادهم منزلة أباءهم.

 وإذا حدث وأن الجد لم ينزل (لم يغرس) أحفاده، فإن الأبناء يحجبونهم لأن الأبناء يقفون في مركز أقوى علاقة

بالمورث، الذي هو أبوهم، وجد الحفدة.

وهذه القاعدة شرعية لا خلاف فيها طبقا لقواعد الحجب في الميراث.

وفي هذه الحالة الأخيرة أي التي لا ينزل فيها الجد أحفاده جعلت الفقهاء والمشرعين ينظرون في الأمر كما ذكرنا.

ثانيا: المقارنة بين أولاد الأبناء وأولاد البنات

ويفترق أولاد الابن عن أولاد البنت في مواقع عديدة نضع لها جدولا،حصرا لها، وتيسيرا لفهمها لأن شرحها يتطلب

الوقوف عند كل نقطة خلاف، بموضوع مستقل، لا يتسع مقال لاستيفاء دلالات كل منهما.

الجــــــــــدول

أولاد الابـــــــــــــن

أولاد البــــــــــــنت

من حيث الاسم

حــــــــفدة

أســـــــــــباط

و في النص الفرنسي

Les descendants d’un fils .

Art :169

Les enfants des filles .                        Art : 168

و بالمصطلح

أولاد صلب (أصل)

ذوي رحم (قرابة رحم)

من حيث الانتساب

 أولاد عائلة المتوفى

أولاد عائلة أجنبية عنه

من حيث الصفة

موصى لهم

ورثــــــــــــــــة

من حيث الرضا (الإرادة)

للموصى لهم حق القبول، و حق عدم القبول.

( من شروط الوصية)

لا يحق للوارث عدم قبول منابه. (الميراث من النظام العام)

من حيث التأصيل

وصية (بموجب القانون)

ميراث بالدفع

من حيث المصدر

الاجتهاد الفقهي+ القانون

الشريعة- مذهب حنفي-

من حيث التاريخ

في منتصف القرن الماضي

منذ العهد الأول للإسلام

من حيث المناب

في حدود الثلث (حد الوصية)

طبقا للقاعدة الشرعية

من حيث النصوص

المواد: 169-172 من قانون الأسرة (مواد التنزيل)

المادة: 168، من قانون الأسرة (مادة الدفع)

من حيث المركز القانوني

لا يحجبون أحدا، ولا يحجبون بأحد مطلقا، لأن حقهم ثابت بالتنزيل، والتنزيل: وصية

محجوبين بالورثة جميعا عدا الزوجين

من حيث الفن التشريعي

 يستحقون حقهم بالتنزيل، فقط، متى حجبوا من الميراث

يرثون بالدفع قانونا (المادة: 168)، فلا يعقل أن يستجمعوا الميراث و الاستحقاق بالتنزيل

من حيث القوانين العربية

منصوص عليه في جل القوانين العربية

منصوص عليه في القوانين المستمدة من الفقه الحنفي

من  حيث الاختلاف بين النصوص

في الجزائر: الحفدة هم أولاد الابن فقط.

في مصر: الموصى لهم بالوصية الواجبة هم (أولاد الابن + أولاد البنت، (المواد 76، ومابعدها من قانون الوصية رقم: 71 لسنة 1946.

في الجزائر: ذوي الرحم، هم :أولاد البنت دون غيرهم( وهم الطبقة الأولى من ذوي الرحم).

 و في مصر: ذوي الرحم هم:

الطبقات الثلاثة الموالية و هي:

-الأجداد، و الجدات الساقطون

-بنات الإخوة و أولاد الأخوات.

– العمات و الخالات و بنات العم.

اللبس:

أولاد الابن (الحفدة) يستحقون بالتنزيل (الوصية الواجبة) في جميع القوانين التي أخذت بوصية القانون.

إن الاختلاف بين القانون الجزائري،والمصري جعلنا نقع في اللبس فنورث ذوي الرحم مرتين: بالتنزيل، و بالدفع

من حيث أراء الفقهاء

بإجماع الفقهاء:الحفدة يستحقون بالتنزيل،

والشيخ أحمد حماني ـ رحمه الله ـ يفتي بذلك في فتواه الصادرة بتاريــــــــــــخ:

1992-04-19

بإجماع الفقهاء: يرثون بالدفع،والشيخ أحمد حماني ـ رحمة الله عليه ـ يقول:«أولاد البنت لاحق لهم بالتنزيل»،(ولم يشذ عن ذلك إلا القانون المصري ).

الخلاصة

يستحقون مناب أبيهم بالتنزيل فقط.

يرثون بالدفع بصفتهم ذوي رحم فقط.

 

ثالثا: تأصيل التنزيل

التنزيل: إيصاء وليس إرثا، والتنصيص عليه في مواد قانونية، هو إحلال أرادة المشرع محل إرادة المنزل، الذي لم

يعبر عن إرادته في ذلك أثناء حياته.

 ودليلنا في ذلك، صيغة آيات المواريث التي جاءت بصيغة الأمر والقطع، في تحديد محوري: التركة، ونعني بذلك

تحديد الورثة، وأنصبتهم بدقة لا تقبل الاجتهاد والتأويل.

 فلا يسوغ لأي كان أن يخالف قواعده، في مجتمع مسلم نصا، وروحا.

تبعا لذلك فإن الحفدة ليسوا ورثة و لكنهم يحملون صفة “الموصى لهم” قانونا فالعلاقة بين المورث وحفدته إذن

هي علاقة “الموصى بالموصى لهم بموجب القانون”.

وحتى معنى كلمة ((التنزيل)) في اللغة، فإنها تتضمن، فــــاعلا، ومفعولا لأجله، وهما: المشرع والحفدة.

 وبمقتضى هذا الفهم، فإن التنزيل لا يمكن أن يكون ميراثا، لأن الذي يورث هو الخالق سبحانه، وأما المشرع فإن له

الحق في إعطاء حقوق لمن يشاء بنص في القانون بشرط أن لا يخالف الشريعة لأن الشريعة مصدر للقانون،

والقانون في مواد التنزيل يكرس الاجتهاد الفقهي الذي يعد من الشريعة، فيقرر إسناد الوصية للحفدة طبقا لشروط

الوصية.

ومن يقول وأن التنزيل ميراث فإنه يقرر ضمنا وأن المشرع قد خالف الشريعة، والفرق بين أن يكون التنزيل ميراثا

أويكون وصية، فرق جوهري على مستوى الفكر النظري المجرد، وعلى مستوى الفهم العميق،لروح ونظام الميراث

في الشريعة الإسلامية ـ من جهة ـ وعلى مستوى التطبيق العلمي ـ من جهة ثانية، فتتداخل في الفهم، وفي

احتساب المسائل قواعد الميراث، وقواعد الوصية في احتمال أول، و/أو تلغي أحكام الوصية تماما، فيخلق لدينا

وارث بالنص القانوني مخالف لقواعد الشرع.

بيد أن كلمة “مورثهم” الواردة في هذه المادة تحتاج إلى شرح و تحليل:

لقد جاءت هذه الكلمة”مورثهم” بصيغة المفرد بالنسبة للمورث، وجاءت بصيغة الجمع بالنسبة للورثة عندما

أضافتهم للمورث، واقصد بذلك ضمير الجمع في كلمة مورثهم وهذا الضمير هو: “هم”.

فكأن المشرع لم يتصور صورا أخرى للحفدة إلا أن يكونوا من أب واحد (فرع واحد)، وهنا نتساءل ما هو موقف

المشرع إذا توفي الجد عن حفدة متعددين من أبناء متعددين، وبعبارة أخرى: كيف يقتسم الحفدة ثلثهم الجائز فيما

بينهم، هل تأخذ كل مجموعة منهم مناب أبيهم أم ينضمون جميعهم في الثلث ثم يقتسمونه للذكر مثل حظ

الأنثيين؟.

إن القول أن كل مجموعة من هؤلاء الحفدة تأخذ مناب أبيهم ولو تجاوزت مناباتهم في مجموعها ثلث التركة، قول

مردود عليه، لأن الحفدة جميعهم يدخلون من باب الوصية، وباب الوصية لا يتسع إلا لثلث التركة، مهما تعدد

الموصى لهم.

 وهذا مقتضى العمل بأركان الوصية وشروطها، وأهم شرط فيها، الثلث الجائز، فلا يجوز تجاوزه بأي حال.

 ومن يجيز تجاوزه، فإنه يعتبر التنزيل ميراثا، و يتهم المشرع ضمنا، وأنه جعل الحفدة ورثة، وهذا ما لم يقل به أحد لا

من الفقهاء، ولا من  المشرعين.

رابعا: تحليل مسائل التنزيل للتوضيح

ولتوضيح الأمراضع مسألة، نورثها على أساس أن الحفدة المتعددين يأخذون منابات آبائهم كل مجموعة على  حدة،

ثم نورثها على أساس ضم الحفدة في الثلث الجائز، ثم ننظر في نتائجها.

المسألة

توفي: (ل. محمد)، عن: إبن  (ل. رابح)، و بنت  (ل. عائشة)، و بنت  (ل. سعيدة)، وحفيد (ل عمر) أبوه أحمد،

وحفيدين (ل، سمير ـ و ل، منير) أبوهما حسين، و حفيدة (ل، نوال) أبوها عمار.

  • نورث المسألة طبقا لقواعد الميراث، و التنزيل على اساس أن لكل مجموعة. من الحفدة مناب أبيهم هكذا:

أ- توريث المسألة مع إعطاء كل حفيد حق أبيه في الوصية:

18

المتوفي: (ل. محمد)

6

ابن (ل. رابح )

3

بنت (ل. عائشة )

3

بنت (ل. سعيدة )

2

حفيد (ل. عمر ) أبوه أحمد:

1

حفيد ل . سمير ( أبوه حسين )

1

حفيد ل. منير ( ابوه حسين )

2

حفيدة (ل. نوال ) ( أبوها عمار )

من هذه الفريضة يتضح ان الحفدة جميعهم استحقوا ثلث التركة، ولكن قسمة هذا الثلث بينهم يتطلب النظر.

لقد إقتسموا هذا الثلث أثلاثا فيما بينهم بالنظر إلى أبائهم، أي أننا قسمنا الثلث على الأبناء المتوفين قبل أبيهم، ثم

اسندنا مناب كل واحد منهم إلى أولاده فأخذ الحفيد من الإبن الأول مناب أبيه فنابه: جزآن من ثمانية عشر جزءا،

أي: 2×1 = ……………………………. 2/18.

وأخذ الحفيدان من الإبن الثاني مناب أبيهما، فإستحق كل واحد منهما جزءا واحد من ثمانية عشر جزءا، أي:……………………………………………………………………………………………………..18/1

وأخذت الحفيدة من الإبن الثالث مناب أبيها، فاستحقت جزآن من ثمانية عشرجزءا، أي:………………………………………………………………………………………………………………………………………2/18

فيكون مجموع ما أخذه الحفدة جميعهم هو: 6/18، وهو الثلث الجائز بالضبط.

وهنا نقف لننظر في منابات هؤلاء الحفدة.

إن هذه القسمة تطابق تماما قواعد الميراث(إلا في مناب الحفيدة)، رغم أن الحفدة لم يرثوا ولكنهم إستحقوا

بالوصية، وقواعد الوصية تقضى بخلاف ذلك.

إن الموصى لهم في الفقه، متضامنون، ومتضامون في مقدار الوصية يقتسمونه بالسوية، وهذا ما نصت عليه

المادة 194 من قانون الأسرة الجزائري حيث تنص “إذا أوصى لشخص ثم أوصى لثان يكون الموصى به مشتركا

بينهما ” ومقتضى الإشتراك التساوي.

ولئن نص المشرع أن الحفدة  يقتسمون الوصية بقاعدة للذكر مثل حظ الأنثيين،في المادة:172، اسرة،  فإن ذلك

يعود لحرية المشرع فيما يشرع، ولا يعود إلى قواعد الميراث إطلاقا.

ولذلك فإن القسمة الصحيحة للثلث الجائز بالتنزيل بين هؤلاء الحفدة تكون كالإتي:

ب: توريث المسألة، و ضم الحفدة في الثلث الجائز طبقا لأحكام الوصية:

42

18

المتوفي(ل. محمد)

14

6

ابن ل. رابح

7

3

بنت.ل. عائشة

7

3

بنت.ل.سعيدة

4

يشتركون جميــــــــــــــعا

 في الثلث الجائــــــــــــــز، للذكر مثل حــــــــــظ الأنثيين، هكـــــــــــــــــــــذا

حفيد ل.عمر بن أحمد

4

حفيد، ل: سمير بن حسين

4

حفيد ل. منير بن حسين

2

حفيدة ل. نوال بنت عمار

وهكذا نكون قد طبقنا قواعد الميراث حيث أخذ الإبن والبنتين الثلثين، وقسمنا الثلث الثالث بين الحفدة طبقا لقاعدة

للذكر مثل حظ الانثيين، تطبيقا للفقرة الأخيرة من المادة 172، وطبقا لأحكام الوصية، وشروطها.

ولكي تتطابق هذه القواعد مع آليات الإسناد في العمليات الحسابية للفرائض التي تتضمن حقا بموجب التنزيل،

فإن صياغة المادة 169 تتطلب تنقيحا، بإضافة “واو” الجمع إلى كلمة مورثهم فتصاغ هذه المادة كالإتي”من توفي

وله أحفاد وقد مات مورثوهم ………………………………….. والباقي دون تغيير”، بدلا من نصها الحالي الذي جاءت

فيه كلمة المورث بصيغة المفرد.

ومتى نقحت هذه المادة بإضافة هذه ( الواو)، فإن التطبيقات العملية تتطابق ونصها، ويتطابق العمل بموجبها مع

قواعد الميراث من جهة ومع قواعد الوصية من جهة ثانية، فيرتفع الشك ويكون المطبق على بينة من أمره في

عمله فلا يتردد، عند معالجته الفرائض التي تتضمن التنزيل.

جالمقارنة بين منابات الحفدة في المسألتين:

المناب في الحل الثاني

المناب في الحل الأول

الحفدة

4/42

2/18

الحفيد 1 (أبوه أحمد)ـ ل.عمر

4/42

1/18

الحفيد 2 (أبوه حسين)ـ ل. سمير

 4/42

1/18

الحفيد 3 (أبوه حسين ) ـ ل.منير

2/42

2/18

حفيدة (أبوها عمار ) ـ ل.نوال

14/42

6/18

المجموع:      =

إن مجموع ما أخذه الحفدة في الحل الأول للمسألة يساوي الثلث الجائز، وكذلك مجموع ما أخذه الحفدة في الحل

الثاني للمسألة يساوي الثلث الجائز، وباقي الأجزاء، أي الثلثين للورثة الشرعيين كما هو ظاهر من الحلين.

إلى هنا نكون قد وضعنا الثلث الجائز، الذي أخذه الحفدة بالتنزيل على طاولة التشريح، للنظر في نتائج الحلين

لذات المسألة، بمنظار الشريعة، وبمنظار القانون معا.

لأن مسألتها تعالجها قواعد الميراث وقواعد الوصية، كما تعالجها مواد القانون الخاصة بالميراث، وبالوصية، لأن

التنزيل وصية ومن يقول التنزيل ميراث فقوله مردود عليه كما ذكرنا.

ولأن المناب الذي يأخذه الوارث، أوالمستحق هو ثمرة العمل من الفرائض، فلا ينبغي أن يتعارض النص القانوني

مع أحكام الشريعة في الميراث، ومتى ظهر ذلك فإن الأمر لا يعدو أن يكون إحدى حالتين:

_الأولى: أن تكون صياغة المادة ليست بالدقة المطلوبة.

_الثانية: أو أننا لم نقف على نية المشرع، و/أو لم نقف خاصة على الفهم الدقيق لمحتوى المادة.

 وعند قراءتنا المادة 169 لا نشك في نية المشرع، في تطبيق أحكام الشريعة الإسلامية في الميراث،وفي تطبيق

أحكام الوصية في التنزيل، إذ أن المشرع الجزائري لم يخالف الشريعة في الميراث كله.

 وعند قناعتنا بذلك نقول:أن الحل الثاني للمسألة هوالحل الموافق لأحكام الشريعة في شقيها الميراث، والوصية.

وتبقى صياغة المادة 169 تتطلب إضافة “الواو” إلى كلمة مورثهم لتصبح مورثوهم في المادة كما ذكرنا ليتطابق

النص مع روحه وأركان موضوعه، مسألة للنظر ولمن له الاختصاص وسبيلنا إلى ذلك أن أحكام الشريعة ثابتة،

وصياغة النص من اختصاص المشرع، وللمشرع الحق في التشريع وفي التعديل، وفي التنقيح.

بيد أن فهم المادة 169 في هذه النقطة بالذات يتطلب الرجوع للمادة 222 من قانون الأسرة، والاستعانة بها

لتطبيق المادة 169 تطبيقا صحيحا، مطابقا لأحكام الشريعة أساسا، ومؤسسا من حيث التأصيل القانوني.

إن نص المادة 222 يجيز الرجوع إلى قواعد الشريعة الإسلامية فيما لم ينص عليه قانون الأسرة كله، ويفهم منه

وجوب الرجوع إلى أحكام الشريعة الإسلامية في فهم، وشرح ذات المواد ايضا.

وكلمة أحفاد الواردة بصيغة الجمع في صدر المادة 169 توحي، بل وتتضمن كل أحفاد الهالك (المورث) سواء كانوا

من فرع، أومن فروع متعددة، وما نطالب به من تنقيح بإضافة: “واو”الجمع لكلمة مورثهم  نرجوه من أجل استكمال

المادة للصياغة الدقيقة، ومن أجل تطابق أحكام الشريعة، وظاهر نصها.

ونفس الملاحظة تنطبق على كلمة: “أصلهم”، الواردة بصيغة المفرد ايضا، وفي ذات المادة، التي تستدعي

الصياغة الدقيقة لها إضافة:”واو” الجمع لمنطوقها  لتصاغ كالاتي:

“من توفي وله أحفاد وقد مات مورثوهم، قبله أو معه، وجب تنزيلهم منزلة أصولهم بالشرائط الاتية:

ونص المادة: 169 باللغة الفرنسية دقيق في تحديد المستفدين من التنزيل، في جملة:« des  descendants »

الواردة بصيغة الجمع، و بلفظ (descendants)،الذي يطلق على علاقة الولد بأبيه، دون أمه.

وبذلك يكون النص خاصا بأولاد الإبن دون أولاد البنت،لأن أولاد البنت ليسوا فروعا للهالك، وليسوا من صلبه، كما أن

الولد لا ينتسب إلى أمه، ولكنه يعرف بأبيه، أما صلة الولد بأمه فهي صلة رحم وصلة الرحم لها سبب أخر في

الميراث هو سبب الرحم ذاته، والوارثون بهذا السبب يسمون بذوي الرحم وطريقهم إلى الميراث هو طريق الدفع،

وليس طريق التنزيل.

والدفع منصوص عليه في القانون الجزئري في مادة واحدة وحيدة هي المادة 168، أما التنزيل فمنصوص عليه في

أربع مواد: من المادة 169-إلى المادة 172

هذا في القانون الجزائري،أما في القانون المصري فإن المستفدين من التنزيل، ويسمى عندهم »الوصية

الواجبة ، هم: مجموعتان:

_الأولى:أولاد الأبناء، الموافقة للمستفدين بالتنزيل في القانون الجزائري.

_الثانية: وهم أولاد البنات،وهم الطبقة الأولى من ذوي الرحم وقد جعلهم المشرع المصري ضمن المستفيدين بالوصية الواجبة، لأسباب عديدة نستطرد في ذكرها للوقوف على سبب الاختلاف بين المشرع الجزائري، والمشرع المصري:

السبب الأول:أن المذهب الفقهي المعتمد في مصر هو المذهب الحنفي، وطبقات ذوي الرحم كلها ورثة في هذا المذهب، مما شكل قاعدة، وخلفية فقهية، جعلت المشرع المصري يعتمدها كمرجعية لسن القوانين.

السبب الثاني:إجتماعي، لأن ثقافة، وأعراف أي مجتمع يفرض على المشرع فيه تدابير، وحلولا معينة وخاصة به.

السبب الثالث: سبب فني يتعلق بتوزيع الحقوق وبقواعد إسناد ، ومراكز استفادة لمختلف طبقات المجتمع في قانون واحد.

السبب الرابع: و هو الأهم، ويرتبط بحرية المشرع في الأخذ بكل مايراه منا سبا للمجتمع الذي يشرع له من أحكام،

وقواعد، وإسناد الحقوق خاصة.

وهذا ما نقرؤه في إسناد الحقوق بموجب قانون الوصية المصري، رقم 71 لسنة 1946، المتضمن الوصية الواجبة،

حيث جعل المستفدين بالوصية الواجبة مجموعتين (أولاد الأبناء ـ وأولاد البنات)، كما ذكرنا، ليفسح المجال لمجموع

طبقات ذوي الرحم الأخرى فيورثهم بالدفع، طبقا للمذهب الحنفي.

أما القانون الجزائري فإن مرجعيته المذهب المالكي الذي لا يورث ذوي الرحم أساسا فإن أخذ المشرع الجزائري

من المذهب الحنفي بتوريث ذوي الرحم في المادة 168 فإنه يكون قد أخذ بالحد الأدنى من طبقات ذوي الرحم.

(الطبقة الأولى فقط ).

وفي التطبيق، وطبقا لما تفرزه المسائل المتضمنة: التنزيل من جهة، ومقارنتها بالمسائل التي تتضمن ذوي رحم

يرثون بالدفع، من جهة ثانية وتطبيق القانون الجزائري من جهة أولى، والقانون المصري من جهة ثانية عليها، فإن

نتيجة المقارنة تكون كالأتي:

ـ في القانون الجزائري: الأحفاد وحدهم هم الذين يستفيدون من أحكام التنزيل، عندما يحجبون بالابن المباشر،

بمعنى أن القانون الجزائري يقرر الأحقية بالتنزيل لغير الوارث، وهذا ثابت في أحــــــكام الوصية إذ “لا وصية لوارث،

ولا وصية لأكثر من الثلث”

أما القانون المصري فإنه يقرر الوصية الواجبة(التنزيل عندنا) للحفدة أولاد الأبناء مثل ما هو عليه القانون الجزائري،

ويضيف لهم أولاد البنات، وهم ورثة باعتبارهم الطبقة الأولى من ذوي الرحم، أي أن القانون المصري يقرر الوصية

لوارث محتمل، وذلك عندما يكون أولاد البنات(الطبقة الأولى من ذوي الرحم)، ورثة فعلا في مسألة معينة كمن

يتوفى عن ذوي الرحم من غير أولاد البنات، ( الجد للأم مثلا )، وعن: أولاد بنت يرث أولاد البنت على أنهم ذوي رحم،

والقانون يضعهم في موضع المستفيدين بالوصية الواجبة، والجد للأم سيقف في مواجهتهم، أم نجعلهم من

المستفيدين بالوصية الواجبة و شرطها الأساسي غير متوفر وهو حجبهم بالابن المباشر، هذا سؤال يجيبنا عنه

المشرع المصري.

أما في القانون الجزائري فإن قواعد الميراث لا تتداخل مع قواعد الوصية، مما يجعلني أقرر أن المشرع الجزائري

من أدق المشرعين في مادة الميراث، والشيخ أحمد حماني يقول:«التنزيل أجمل ما في قانون الميراث».

المسائل المستعصية

إن التنزيل وصية بموجب القانون، يخضع في التطبيق لأحكام الوصية في الفقه الإسلامي، وفي القانون، ونقرر هنا

أن أحكام القانون الجزائري في مادة الوصية والميراث تطابق أحكام الشريعة ـ مما يجعلنا مطمئنين للعمل على

المحورين الشرعي، والقانوني.

وفي الميراث فإن التصدي للفرائض التي تتضمن تنزيلا، تفرز عدة إشكاليات واحتمالات، وعدة آراء بشأنها مما

أستوجب البت في المسألة، تفاديا للخصومات، والدعاوي التي تملأ سجلات القضاء، وهو في غني عنها.

ونضع تحت النظر مسألتين، بسيطتين، لنفق على مناب الحفدة، بالتنزيل، وننظر في تناسبه مع باقي الورثة ممن معهم، ونستخلص الرأي الموافق لأحكام القانون، والمطابق لأحكام الشريعة، لأن الشريعة روح القانون.

المسألة الأولى: توفي رجل عن:

                 أبن –  بنت- حفيدة (بنت إبن)

               الحــــــــل:

9

5

المتوفي

4

2

أبن

2

1

بنت

3

2

حفيدة

إن فريضة هذا الهالك صحت من خمسة أجزاء، للابن جزأن، وللبنت جزأ واحد، ولبنت الابن (الحفيدة) جزأن، وهو مناب أبيها على تقدير أنه حي وقت وفاة أبيه.

ولما فاق مناب الحفيدة الثلث الجائز، نزلناه إلى الثلث الجائز فأصبحت المسألة من تسعة أجزاء أخذت الحفيدة الثلث الجائز، وأقتسم الابن مع البنت الباقي تعصيبا للذكر حظ الأنثيين كما هو ظاهر في المنابين.

المسألة الثانية:

         ومن يتوفي عن: إبن –  إ بن –  بنت-  حفيدة.

فإن مسألته تحل كالاتي:

7

المتوفي:

2

إبن

2

أبن

1

بنت

2

حفيدة

وفي هذه المسألة أخذت الحفيدة مناب أبيها المتوقي قبل أبيه، بالتنزيل و لما كان منابها اقل من الثلث الجائز،

أسنادناه لها، وورث الورثة الباقي تعصيبا للذكر مثل حظ الأثنين، وانصرف الجميع، ليخلفوا لنا حق التأمل في

منابات المسألتين.

المسألة الثالثة:

ومن يتوفي عن أربع بنات-  وبنت ابن – وعم..

      حل المسألة: البنات وارثات بالفرض ولهن الثلثين.

                  الحفيدة= تستحق مناب أبيها بالتنزيل، لأنها محرومة من السدس المكمل للثلثين، فتقف في مركز

المحجوبة من الميراث.

                 والعم: عاصب، والعاصب لا يحجبه أحد من الميراث، إلا عاصب  أقوى منه، أو في حالة استغراق الفروض

التركة، ومسألتنا ليست هذه الحالة.

                 وعليه تورث كآلاتي: نحتسب مناب الحفيدة، لنخصمه بإسناد الوصية وأحكامها، وما بقي ترثه البنات

ولهن الثلثين، ويرث العم الباقي تعصيبا فتكون كآلاتي:

المتوفي

  أ

6

 ب

6

 ج

9

بنت

1

1

1

بنت

1

1

1

بنت

1

1

1

بنت

1

1

1

حفيدة

2

3

عم

2

2

كيفية التوريث:

أ ـ استخرجنا مناب الحفيدة لنعرف حقها الذي تأخذه بالتنزيل، ولما كان جزأن من ستة أجزاء، وصادف أنه يساوي

الثلث أسندناه لها دون حرج (في الخانة أ).

ب ـ خصمنا مناب الحفيدة من التركة، ثم أعدنا توريثها وفق قواعد الميراث في الشريعة والقانون، فأعطينا للبنات

الثلثين فرضا وورث العم الباقي تعصيبا(في العمود ب).

ج ـ ثم جعلنا أصل مسألة الورثـــة مساويا للثلثين، وحق الحفدة مساويا للثلث،فصحت من تسعة أجزاء،

أي……………………………………………………………………………………………………………………: 9/ 9

ورثت البنات ثلثي الباقي، بعد الوصية فنابهن مجتمعات، أربعة أجزاء من تسعة أجزاء.

 وورث العم الآجزاء الباقية من الستة أجزاء فنابه جزآن من تسعة أجزاء.

واستحقت الحفيدة مناب أبيها المساوي للثلث الجائز، أي: ثلاثة اجزاء من تسعة أجزاء(العمود  ج).

   وهذه المسألة تسمى:”فريضة بوصية” وفيها تتداخل أحكام الميراث وأحكام الوصية في فريضة واحدة.

وهذه الفريضة بالذات يجب أن نقف عندها، لنفك طلاسمها، بالرجوع إلى كلمة: “حيا” الواردة في المادة 170 من

قانون الأسرة.

فالمقصود من كلمة: “حيا”، في هذه المادة: إفتراضي، لا ينبغي أن نأخذها بواقعية، وإلا فإن الإبن المتوفي قبل

أبيه تاركا أولادا لايسمون حفدة، ولا نكون أمام مسألة بها تنزيل أصلا، و دليلنا هو: المعنى اللغوي لكلمة “لو” التي

سبقت كلمة “حيا”، و”لو” هنا للتمنى، ولا نتمنى شيئا إلا عند فقدانه.

 وفي مسألتنا فإن الإبن لو كان حيا وقت وفاة أبيه فإنه سيحجب بنته أولا، و يحجب عم أبيه ثانيا.

والقاعدة الشرعية تقضى وأن المتوفي لا يتأثر، ولا يؤثر، وليس له موقع في الحياة، فضلا عن مقعد في مجلس

الاستحقاق.

 قال عليه الصلاة و السلام: “إذا مات الإنسان إنقطع عنه عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية، وعلم ينتفع به، وولد

صالح يدعو له”، رواه أبو هريرة.

وعليه فإن المؤثر في مناب الحفيدة هو النص القانوني، وليس المركز القانوني، والنص القانوني، من المتغيرات،

أما الثابت فهو المركز القانوني، المستمد من الشريعة الإسلامية.

            لذلك أسمح لنفسي بإبداء الرأي حول النص، وليس المركز، بعد إستعراض مسألة رابعة أراها محورية فيما

أبتغيه من الرأي.

المسألة الرابعة

                توقي رجل عن: بنت- حفيدة (بنت ابن) – و أخ شقيق.

إن هذه الفريضة تتحكم فيها قواعد الميراث، وقواعد الوصية، لأن بنت الابن(الحفيدة) فيها، وفي ظاهر الصورة لها

موقعين، وارثة من جهة، وتستحق حقها، بموجب التنزيل (الوصية) من جهة ثانية.

وعلينا أن نقرر بأي السببين تدخل معنا في هذه الفريضة.

– لا شك أن سبب الميراث أقوى من سبب الوصية، وأن الوصية تستوفي مع الميراث.

      (وأقول الوصية مع الميراث لأن الوصية جزأ والميراث جزآن، وليس هناك جزأ بدون الجزأين).

            – والحجة القاطعة للنص المتضمن الفصل في مسألة بها وارث، وموصى له في آن واحد، هو نص الحديث

الشريف قال عليه الصلاة والسلام “لا وصية لوارث، ولا وصية لأكثر من الثلث “.

            إن الحكم الأول في هذا النص لاوصية  لوارث، يضعنا في التأصيل الصحيح لهذه المسألة، فبنت

الابن(الحفيدة) تدخل بالميراث وتنتفى في حقها الوصية (التنزيل)، فتأخذ حقها الشرعي، وهو السدس تكملة

للثلثين، لأن فرض البنت النصف، وبنت الابن تكمل النصف إلى الثلثين بالسدس، وما بقي يرثه الأخ الشقيق فتصير

المسألة كالآتي:

المتوفى

                6

سبب الإرث

بنت

                3

لها النصف فرضا

بنت ابن

                1

لها السدس تكنلة للثلثين

أخ شقيق

                2

له الباقي تعصيبا

إلى هنا نكون قد أنجزنا أربع مسائل بسيطة في مناباتها كبيرة في مداركها وهذا مايهمنا في هذا المقام.

فإذا عدنا إلى مناب الحفيدة في هذه المسائل، وقارناه بباقي المنابات في كل من هذه المسائل بعضها ببعض

نستخلص الآتي:

أولا: سبب الإستحقاق واحد وهو التنزيل إلا في الرابعة حيث استبعدنا التنزيل بسبب الميراث.

ثانيا: و أن منابات الحفيدة تتغير بحسب المراكز القانونية، بخلاف منابات باقي الورثة التي لم تتغير لأن سبب الإرث

فيها ثابت بموجب الشريعة.

ثالثا: أخذت بنت الإبن (الحفيدة) في الأولى منابا يفوق مناب عمتها، كما أخذت في الثانية والثالثة ضعف عمتها،

ومساويا لمناب العم، أما في الرابعة فقد أخذت منابا مساويا لنصف مناب عمتها، ويقل عن مناب عمها بالنصف.

            وفي هذه المسألة الأخيرة(الرابعة) لواستحقت حقها بالتنزيل فإنها ستأخذ ضعف عمها، فتبادله المناب.

رابعا: إن العلاقة بين الميراث والاستحقاق بالتنزيل علاقة عضوية يتأثر جزأ هذا بجزء ذاك.

خامسا: قواعد الميراث من الشرع، وقواعد التنزيل مصدرها القانون، المستمد من أحكام الوصية، والوصية في

الشريعة إختيارية للموصي أن يوصي بما شاء ولمن يشاء من غير الورثة، وفي حدود الثلث.

وبذلك نصل في نهاية المطاف إلى قواعد الشريعة في كلتا المسألتين، لننظر فيهما بمنظار الشريعة.

            وأحكام الميراث في الشريعة لا يجوز مخالفتها، أما أحكام الوصية فإنها تعطينا الحرية في تحديد مقدار

الموصى به، في حدود الثلث، فالإنسان له الحق أن يوصي بثلث ماله، أوبربع ماله، أوبخمس ماله، أوبأية نسبة

يشاء، بشرط أن تكون هذه النسبة في حدود الثلث الجائز.

            ومن هنا فإن للمشرع الحرية في تحديد مقدارالموصي به، وفي القانون الحالي، فإن المشرع حدده بمناب

مورث الحفدة، بشرط أن لا يتجاوز الثلث الجائز.

و رأينا: أن يحدده بحصة الحفيد من مورثه، أوالحفدة من مورثهم، و/أو مورثوهم، في تركة جدهم على تقدير أن

أصلهم حي حين وفاة والده.

            وهذا التعديل الذي نتمناه يغنينا عن هذا المشهد الذي يبدو فيه مناب الحفيدة متحركا لدرجة الشك في نية

المشرع من هذا النص، وأترك القارئ يعود إلى مسائلنا الأربعة ليورثها وفق التعديل الذي نرجوه، ليتأكد أن مناب

الحفيدة هذه ثابت، ومساو لنصف مناب عمتها في جميع الحالات، وهذا ما نسميه بإستقرار النص واطمئنان الورثة.

            ومن ثم اطمئنان الفرد، والمجتمع، إلى عدالة النص الذي يتضمن توزيع الحقوق، لنصل إلى قواعد ثابتة

تؤسس لثقافة قانونية سليمة ومستقرة.

            وهذا النقص في صياغة النصوص سببه التجريد، فالمشرع الذي لا يستعين بأهل الخبرة الميدانية يقع

حتما في عدم دقه النصوص، وفي عدم مطابقة النصوص لجميع الإحتمالات التي تفرزها معاملات وتصرفات

الأفراد، ومن ثمة فإنه يقع فيما يسمى تقنيا بعدم ملائمة النص.

وعدم ملاءمة النص لايعد نقصا في التشريع ولكنه يؤثر في حياة النص ذاته، والمشرع الحاذق هو الذي يؤسس

لنصوصه بالإحاطة والتأسيس، وعمق النظر المبني على أسس الاستقراء، والتحليل، والخبرة العلمية، والميدانية،

إلى غير ذلك من أدوات صياغة النص صياغة دقيقة ملائمة لواقع المجتمع وتطوره.

المحور الثاني:

                        تحليل المادتين 170 ـ و 171 من قانون الأسرة.

         تنص المادتان على مايلي:

المادة 170  و نصها:

“أسهم الأحفاد تكون بمقدار حصة أصلهم لو بقي حيا على أن لا يتجاوز ذلك ثلث التركة”.

المادة: 171 و نصها:

      “لا يستحق هؤلاء الأحفاد التنزيل إن كانو وارثين للأصل جدا كان أوجدة أوكان قد أوصى لهم، أوأعطاهم في

حياته بلا عوض مقدار ما يستحق بهذه الوصية، فإن أوصى لهم أو لأحدهم بأقل من ذلك وجب التنزيل بمقدار ما يتم

به نصيبهم أونصيب أحدهم من التركة”.

     ونتناول هاتين المادتين  بالشرح معا، لتداخلهما في الفهم وعند التطبيق.

                                   أولاالمصطلحات و شرح المادتين

                           أ- المصطلحات

    – حصة أصلهم = حصة ابيهم، دون أمهم، لأن الأم ليست أصلا لولدها، و لكنها رحمه، فالولد ينسب لأبيه شرعا،

وقانونا(المادة 41 و43، من قانون الأسرة الجزائري). قال تعالى: «أدعوهم لأبائهم»

   – ثلث التركة = الحد الأقصى(الأعلى) لحصة الحفدة جميعهم ولوكانوا من فروع عديدة لأن التنزيل وصية، ولا

وصية لأكثر من ثلث التركة.

                                ب- شرح المادتين:

إن المادة 171 واضحة في ظاهرها، ولكنها تتضمن عمليات، ومسائل معقدة، فهي:

1) تحدد شروطا للتنزيل، تدخل ضمن الوقائع المادية، تتطلب إجراءات لا يحق للموثق الولوج فيها، ومنها حصر تركة

أب الحفدة، وأمهم، مما يستوجب الإطلاع على المستندات، والعقود، وقد يتطلب الأمر تدخل القضاء، للتمكن منها،

وكذلك التأكد من وصية الجد والجدة، لحفدتهما.

2) شرط عدم الإرث من الجد أوالجدة، لأنهم في هذه الحالة، ورثة بالتعصب بصفتهم فرع الفرع وفرع الفرع يحل

محل الفرع عند عدم وجود الفرع.

          فإذا ورثوا فهم عصبة في الفريضة وليسوا حفدة، ويرثون بالتعصيب عندما ينفردون عن الإبن المباشر(إبن

المتوفى)، الذي يحجبهم كما ذكرنا.

3)- إن ورثوا في تركة أبيهم (القبر الأول) لا يستحقون بالتنزيل شيئا من سدس( ) جدهم،و/أو

جدتهم(القبرالثاني)، الذي ورثاه من ابنهم(أب الحفدة)، لأن إرث الحفدة  من أبيهم في هذه الحالة ثابت وتحت

النظر.

4)- شرط عدم استفادتهم من وصية الجد، أوالجدة.

هذه شروط المادة: 171، وتبدو سهلة المنال، ولكن حقيقتها، وتطبيقها في الميدان يتطلب إدراكا شاملا، بالأنساب،

وفهما دقيقا بمدلولات اللغة العربية، خاصة تحديد معاني المصطلحات في علم الميراث، وكذلك ميكانيزمات وآليات

الإسناد بما تتطلبه من دقة في العمليات الحسابية، ولتوضيح ذلك أضع مسألة تبدو بسيطة لنقف معا على

عملياتها الحسابية، تحت مظلة المفاهيم القانونية والشرعية.

ثانيا: تحليل مسألة تطبيقية توضيحا لحكم هتين المادتين

المــــــــــــــــسألة

وهب السيد: (ل. عبد القادر)، في حياته لحفيده: (ل أمين) عقارا قيمته 10 مليون دينارا، و لحفيده الثاني: (ل

سعيد) عقارا بقيمة: 8 ملايين دينارا، و لما توفي ورثه أولاده: (ل.عيسى)- و(ل.حفصة) و(ل.دوجة) و حفيديه

(ل.أمين)- و (ل.سعيد)،الموهوب لهما المذكورين.

فإذا كانت أصول تركته تقدر ب: 48 مليونا، فهل يستحق الحفدين نصيبا مع الورثة؟

حل المـــــــــسألة

أولا: نورث المسألة بإحتساب حق الحفدة، وننظر في منابهم العددي(أي نسبة المناب إلى أصل المسألة) فإن كان

مساويا للثلث أولأقل من الثالث، أعطيناه لهم، وإن كان يفوق الثلث نزلناه إلى الثلث، لنعرف منابهم بالضبط (لأن

قاعدة الثلث شرعية لا يجوز مخالفتها بأي حال).

 

الفريضـــــــــــــة:

المتوفى: ل. عبدالقادر

    6

ابن : ل. عيسى

2

بنت : ل. حفصة

1

بنت: ل. دوجة

1

حفيد: ل. أمين

1

حفيد: ل. سعيد

1

 

ومن هذه الفريضة يتبين أن ما أخذه الحفيدان يساوي الثلث بالضـــــــــــــبط، (السدس+السدس=الثلث)

ثانيا: ننظر في قيمة العقار الذي وهبه الجد لحفيديه، ونقارنه بقيمة التركة، وننظر في التناسب بين القيمتين هكذا:

     قيمة الهبة= 8 مليون +10 مليون= 18 مليون ، و قيمة التركة= 48 مليون.

ثالثا: ثم نضع هذه العمليات تحت تطبيق المادة 171، التي جاءت في فقرة واحدة مطولة، لاتخضع لمعايير التشريع

من حيث الصياغة، ولكنها دقيقة وتتضمن في طياتها عمليات معقدة جدا عند وضعها على طاولة التشريح وعند

تجسيدها في عمليات يتعدد فيها الورثة، ويتعدد فيها الحفدة سواء من فرع واحد أومن فروع متعددة، وتتعقد أكثر

عندما يوصي أويهب الجد لهؤلاء الحفدة حقوقا متفاوتة فيما بينهم، مما يستوجب إضافة حقوق لهم تتفاوت بحسب

ما يكتمل به مناب كل واحد منهم، ضمن حقه في الثلث الجائز دائما، ومسألتنا مثال بسيط لهذه العمليات المعقدة.

رابعا: ننظر في التناسب بين الأجزاء وقيمة الهبة هكذا:

                                          – مناب الحفيدين =……………………………………………………………………2/6

                                    قيمة الهبة إلى قيمة التركة:……………………………………………………..18/48

خامسا: نضع المسألة تحت تطبيق المادة 171، وننظر في ظاهر النص أولا، ثم ننظر في مدارك النص ثانيا، لنتمكن

من التطبيق الصحيح لهذه المادة.

     أ- ظاهرة النص: إن مقتضى نص المادة 171 في ظاهره يؤدي إلى الحكم، أن الحفدة أخذوا أكثر من ثلث التركة،

فلا شئ لهم في تركة جدهم هذه.

لأن ثلث التركة يساوي: 48/3=16 مليون، وما أخذه الحفدان بالهبة=18 مليون، وهكذا ينتهي الأمر.

    ب-مـــــــــــــدارك النص

            إن نص المادة:171 من أدق و أصعب النصوص في الإدراك لأن هذه المادة بالذات جاءت بإطناب، وبمفاهيم

متداخلة، و بلغة أقرب إلى الصياغة الأدبية منها إلى الصياغة القانونية.

ومع ذلك كله فإنها تتضمن حقائق، ومدارك عالية في الفهم، والتماسك، والربط بين قواعد الميراث من جهة، وأركان

الوصية من جهة ثانية.

            ولنبين ذلك كله نعود إلى قراءة هذه المادة قراءة متأنية، هادئة، نقف فيها عند كل كلمة ونربطها بقواعد

الميراث، وأركان الوصية، لأن التنزيل وصية، ونص المادة تربطه بعدم ميراث الحفدة من جدهم و/أو جدتهم وتربطه كذلك بعدم الوصية لهم منه، وبعدم إعطائهم شيئا.

            وتنص بإتمام حق الحفدة، جميعهم أوأحدهم بالتنزيل إذا كان ما أخذه بالوصية، أوالهبة، أوالعطية أقل من حقه في التنزيل.

وأداة الربط في المادة هي حرف “الميم”، الموصولة الواردة مرتين في نص هذه المادة هكذا:

(………………….مقدار ما يستحق……………….بمقدار ما يتم……………….).

       وقد جاءت هذه “الميم” في الموقعين بعد كلمة مقدار، وكلمة مقدار لغة تعنى شيئا معينا، واصطلاحا تعنى

شيئا معينا يدخل ضمن مناب الحفدة المقدر لهم بموجب التنزيل، استفاد منه الحفدة بتصرف من جدهم أوجدتهم.

            إن هذا الربط بين ما أخذه الحفدة بأي طريق كان، وما يستحقونه بموجب التنزيل يؤدي بنا إلى الفهم

الحقيقي للمادة 171، التي تتضمن عمليات عالية الإدراك، وأولي هذه العمليات أن نربط بين المناب المستحق

بالتنزيل، وما إستفاد منه الحفدة من جدهم أوجدتهم.

ولتوضيح ذلك نعود إلى مسألتنا التي أخذ فيها الحفيدان، وبموجب الهبة في حياة جدهما ماقيمته 18 مليون دينار،

وعند تقسيم التركة المقدرة ب:48 مليون دج، قلنا لهم لقد أخذتما أكثر من ثلث التركة، لأن ثلث التركة يساوي 16

مليون دينارا جزائري، فلا شيء لكما.

            ولما انصرفوا أقتسم الابن والبنتين التركة حسب القاعدة الشرعية للذكر مثل حظ الأنثيين فناب الابن:24

مليون ونابت كل واحدة من البنتين: 12 مليون، لأن فريضة الهالك بعد انصراف الحفيدين تصح من أربعة أجزاء للابن

جزآن ولكل واحدة من البنتين جزأ واحد.

        وهنا نقف لننظر في نتيجة العمليات:

       – أولم يأخذ الإبن 24 مليون، وكل واحدة من البنتين 12 مليون ؟

       – أولم نقل للحفيدين أخذتما 18 مليون. و18 مليون يفوق ثلث التركة فلا تستحقان شيئا بالتنزيل؟

        ولكن إذا عدنا إلى الحقيقة في نهايتها، فنقارن بين ما أخذه الحفيدان، وما أخذه عمهما (ابن المتوفي)، فإننا

نصل إلى أن ما أخذه الحفيدان أقل مما أخذه عمهما.

            والتنزيل يقتضي أن يكون حق الحفيدين مساويا لحق أبيهما الذي يساوي حق عمهما، على أن لايتجاوز

ذلك ثلث التركة، وهذا مقتضى نص المادة السابقة (المادة 170).

            ولكي نخرج من هذا النفق علينا أن نعتمد على آليات التشريع، وعلى نظام الميراث، وأحكام الوصية في آن واحد.

            إن مبدأ التشريع في القانون يقتضي أن النصوص القانونية تكمل بعضها بعضا ولا تتناقض، وتفسر بعضها

بعضا عند الإقتضاء.

            ونظام الميراث في روحه يهدف إلى العدل، وترابط أفراد الأسرة، وهو لحمة مادية، وروحية في كيان

الأسرة، والمجتمع.

            أما أحكام الوصية فإنها تزيد من أعمال الموصى الخيرية، وتقربه من ربه بشرط أساسي لا يقبل التأويل،

وهو شرط الثلث لأنه ثابت في السنتين القولية، و التقريرية، قال رسول الله صلى الله عليه و سلم: “لا وصية

لوارث ولا وصية لأكثر من الثلث” كما شاهد رسول الله صلى الله عليه و سلم على واقعة بعينها، وهي مسألة

الصحابي الجليل سعد بن أبي وقاص، الذي سأل رسول الله عن مقدار ما يوصي به فقال له عليه الصلاة والسلام

:”الثلث والثلث كثير”.

            إن هذه المفاهيم مجتمعة تقتضي أن يأخذ الحفدة، وهم اليتامى الصغار الذين جاء القانون ليرعاهم

ويحميهم حقا يساوي حق عمهم بشرط عدم تجاوز ثلث التركة كما ذكرنا فماهي التركة؟

            وكيف نحدد أصولها؟ وماهو مفهوم ثلث التركة؟

إن التركة تعني كل ما يتركه الإنسان لحظة وفاته، سواء كان عقارا أو منقولا أو أموالا أخرى.

وأصول التركة معناه جمع قيمة كل عناصر التركة المفترضة، والمعنية بنص المادة القانونية، في عملية جرد

وتقييم.

   أما ثلث التركة فمعناه ناتج قسمة مجموع قيمة عناصر التركة على ثلاثة.

      تلك حقيقة هذه المفاهيم عند التجريد أما عند وضعها على طاولة التشريح، وتحت مجهرالعمليات ومظلة العدل،

فإن ما أخذه الحفيدان يجب أن يكون مساويا لما أخذه عمهما، بشرط الثلث دائما، ولا يمكن أن نصل إلى ذلك إلا إذا

وضفنا العمليات الحسابية لخدمة الهدف منها كالآتي:

            نقول: إن الثلث يقتضي في منطق الحساب، وفي منطق العقل ثلثين آخرين، وهذا هو معنى عبارة ثلث

التركة، فلا يمكن أن يكون هناك ثلث الشئ دون ثلثيه، كما تقول بالضبط زوج، فليس هناك زوج دون زواج وزوجة،

فإن إنفكت الرابطة فهو أرمل أومطلق، وليس زوجا بأي حال.

            لذلك نرى أنه ينبغي إستكمال الثلث بثلثيه لأن الثلث محسوب ضمن الثلثين بطبيعة الوحدة الصحيحة، أي

أن الوحدة الصحيحة لايمكن أن تتشكل لامن الثلث، ولا من الثلثين، مما إستوجب جمع الكسرين لنحصل على

الوحدة الصحيحة التي تمثل التركة هكــــــــــذا:

                                                                                         +    +

سادسا:إذا إقتنعنا بذلك، نعود لمسألتنا، فنقول:

1- نجعل ما أخذه الحفيدان ثلثا، ونكمله بثلثيه بضرب ثلث الحفيدان في إثنين هكذا:36 =2×18، فنحصل على قيمة

مساوية للثلثين، على أساس ما أخذه الحفيدان مساويا للثلث.

ثم نخصم الثلثين من مجموع قيمة التركة، هكذا: 48-36=12.

2- نوزع الثلثين على الورثة بالنسبة الشرعية، بناء على أن الحفيدان أخذا ثلثهما.

وما بقى نوزعه على الورثة ومعهم الحفيدان في حقهما هكذا:

– 36 مليون يقتسمه الورثة وحدهم بالنسب الشرعية بحسب فريضتهم،المستقلة عن فريضتهم مع الحفدة.

ـ  ومابقي أي:12 مليون يقتسمه الورثة و معهم الحفيدان في حقهما المساوي في فريضتنا الثلث الجائز، فيأخذ

الحفيدان ثلث هذا المبلغ المتبقي، فينوبهما: 4 ملايين، ويقتسم الورثة ثلثيي هذا المبلغ أي 8 ملايين.

وبذلك نصل إلى القسمة النهائية بين الورثة والحفيدان، فيأخذ الورثة:36+8=44 مليون، ويأخذ الحفيدان 18+4=22

مليون.

وتكون بذلك التركة مساوية لـ:44+22=66 مليون في حقيقتها.

ويكون ما أخذه الحفيدان مساو للثلث بالضبط ومساو لحق أبيهما المتوفي قبل أبيه على فرض أنه حي وقت وفاة

أبيه، وهذا مقتضى التطبيق الدقيق لمفهوم المادتين: 170 و171 لأن تطبيقهما يتداخل في العملية الواحدة كما هو

ثابت في تحليل هذه المسألة.

وعندما يفترق الورثة والحفيدان عن مجلس القسمة، ويعودان إلى مقرهما، يقتسمان حقهما بالتساوي، فيأخذ

الحفيد الأول الذي تلقى الهبة بقيمة 10 مليون، مليون واحد، ويأخذ الحفيد الثاني(الذي تلقى الهبة بقيمة:8

مليون)، ثلاثة ملايين، فيصير مع كل واحد منهما 11 مليون، وبذلك نكون قد أنهينا هذه المسألة نهائيا.

            ويمكن أن نضع تحت النظر عمليات أخرى معقدة ومتشبعة لدرجة تستوجب بحثا مطولا، وعمليات حسابية

في منتهى الدقة من حيث المدارك العقلية ومن حيث شموليتها وعملياتها الحسابية، التي يمكن أن تصل إلى

ملايين الأجزاء(وهي العمليات التي نسميها المناسخات).

          ولكي يتطابق ظاهر النص مع روحه ومرجعيته، أري أن تعدل المادة 170، من نصها الحالي لتصاغ

كالآتي:”أسهم الأحفاد تكون بمقدار حصتهم في أصلهم لو بقي حيا على أن لايتجاوز ذلك ثلث التركة”.

            وتعديلا بهذه الصياغة يجعل هذه المادة تنسجم وقواعد العدل والإنصاف فيما بين الحفدة بعضهم ببعض

ويكون النص بذلك ملائما ومطابقا لروحه ومقتضيات تشريعه.

المحور الثالث :

تحليل المادة 172 من ةقانون الأسرة

تنص المادة 172 من قانون الأسرة، وهي أخر مادة من مواد التنزيل على ما يلي:

         “أن لا يكون الأحفاد قد ورثوا من أبيهم أوأمهم ما لايقل عن مناب مورثهم من أبيه أوأمه. ويكون هذا التنزيل

للذكر مثل حظ الأنثيين”.

أكد أن كلمة الأحفاد في إصطلاح علم الميراث، معناه: أولاد الإبن، دون أولاد البنت، وحتى المشرع المصري الذي

جعل أولاد البنت يستفيدون من الوصية الواجبة (التنزيل عندنا) نص عليهم بإسمهم “أولاد بنت”، وليس بإسم

الحفدة، وله في ذلك علله كما رأينا.

            كما أن كلمة أمهم الواردة في هذه المادة ليست بنت المتوفى، ولكنها زوجة ابنه.

            أما بنت المتوفى، فهي عمة هؤلاء الحفدة، وليست أمهم، ونوضح ذلك في المخطط الآتي:

مخطط يوضح علاقة النسب بين الحفدة وأمهم وموقع هذه الأخيرة

المخـــــــــــطط

س. مليكة

أم الحفدة

ابن: (ن.علي)

متوفى قبل أبيه

ق. بلقاسم

بنت: ن. حفصة

متوفاة قبل أبيها

          المتوفى: (ن. محمد)

        ن. محمد

                زوجة                                               زوج  زوج

إبن إبن (ن. جمال)، حفيد يستحق بالتنزيل

المواد:169 ـ 171

ابن بنت( ق. عبدالمالك)، سبط، يرث بالدفع لأنه

من ذوي الرحم، المادة: 168

شرح المادة: 172 من قانون الأسرة

إن كلمة أمهم الواردة في هذه المادة تعود في المخطط على السيدة:(س.مليكة) وهي زوجة ابن

المتوفى(ن.علي)،ولاتعود على(ن.حفصة)التي هي بنت المتوف (ن.محمد) وأخت السيد(ن.علي)

ومن يفهم أن كلمة أمهم تعود على بنت المتوفى فانه يقرر ضمنا – ودون أن يدري – أن:

            أب الحفدة، وأمهم إخوة أشقاء، أولأب، وهذا لا يقبله: لاعقل، ولاشرع، ولا قانون، ولا من يقول ذلك نفسه !

وأمام هذا المآل (المشهد) المريع، يقرر فضيلة الشيخ أحمد حماني رئيس المجلس الاسلامي الأعلى، ورئيس

جمعية العلماء المسلمين “رحمه الله” في فتوى رسمية صادرة بتاريخ 16 شوال 1412، الموافق لــ: 19

أفريل1992.

            «إن أولاد الأبناء، هم الحفدة، وأن من يقول بتنزيل أولاد البنات فان حكمه لا يلزم المسلمين، ويجب كتمانه

وستره حياء، وأن أحفاد الهالك من بنته المتوفاة قبله لاحق لهم، في إرث جدهم لأمهم، ولا يشملهم ما في نص

التنزيل، فإن كانوا يطلبون حقا فلا حق لهم».

أما كلمة: “أمه” الواردة  في آخر الفقرة الأولى من هذه المادة، فإنها تعود على أم أب الحفدة فهي جدتهم للأب.

            ونقف عند كلمة: “مورثهم” الواردة في هذه المادة ، فنقول:

            ـ من حيث اللغة: تعود على المتوفى المذكر، دون المتوفى المؤنث فتعود على أب الحفدة، ولا تعود على

أمهم ، كما نقول: فلان متوفى – وفلانة متوفاة، كذلك نقول: فلان مورث، وفلانة مورثة، وإن صح إطلاق كلمة

المورث على الذكر والأنثى، فإن ذلك على تعليل، وإن كليهما أصبح ميتا والميت لا يعرف المذكر والمؤنث، وهو

تعليل منطقي لاعلاقة له بإصطلاح علم الميراث.

ـ من حيث التأكيد: تؤكد المعنى المقصود منها بمفهوم ذات الكلمة الواردة في صدر المادة: 169.

ـ من حيث المصطلح: محددة في اصطلاح علم الميراث بكلمة “أصلهم” الواردة في المادة: 169 ، التي تعود على

كلمة مورثهم منها ، لأن الأب هو الأصل ، أما الأم فهي رحم ، والولد ينتسب لأبيه، لأن أباه هو أصله طبقا لأحكام

الشريعة الاسلامية، وطبقا لأحكام المادة:41و43، من قانون الأسرة.

            وهكذا نصل الى آخر فقرة من آخر مادة في التنزيل وهي الفقرة  التي تقرر كيفية قسمة الحفدة حقهم

في التنزيل، وقد اعتمدت هذه المادة قاعدة للذكر مثل حظ الأنثيين.

            إن ظاهر هذا الحكم يوحي وأن التنزيل ميراث، ولكن حقيقة الأمر مرتبطة بحرية المشرع فيما يشرع ونوضح

الأمر:

            1- الحفدة لا يكونون حفدة ولا يستحقون بالتنزيل الا إذا  حجبهم عمهم من الميراث، وهو الإبن المباشر

للمورث (جد الحفدة) فكيف تحجبهم قواعد الميراث ويورثهم المشرع ؟

            2- إن اعتبار التنزيل ميراثا يؤدي إلى اضافة  وارث للورثة الشرعيين ، وهذا خرق لقواعد الميراث ونظامه

في أسسه وأركانه.

            3- لو أن التنزيل ميراث ما كان الجد يوصي لهم في حياته ليأخذوا مناب أبيهم عند وفاته، لأن الميراث حق

للوارث مقرر له بموجب قواعد الميراث ، ولا يحتاج الى وصية، أوغيرها ليأخذه.

            4- لوأن الحفدة ورثة لحجبوا من دونهم قوة ودرجة، طبقا لقواعد التعصيب والحجب، ولكنهم هنا لايحجبون

أحدا، ولا يحجبون بأحد، لأن حقهم ثابت لهم بموجب وصية القانون بالتنزيل وليس بالميراث، والوصية لا تعرف قواعد

الحجب، ولا قواعد الحرمان، ولانتعامل معها بآليات، وقواعد الميراث أساسا.

            5- إن وضع حد ثلث التركة للتنزيل دليل قاطع على أن التنزيل وصية، لأن الميراث لاحد له إطلاقا، فالوارث

قد يرث التركة كلها، وقد يحرم، أو يحجب، بحسب موقعه، ودرجة قرابته من المورث.

نخلص إلى أن مواد التنزيل كلها، لا تتضمن ضمن مستحقيها ذوي الرحم، إذ لا يعقل في منطق أي مشرع أن يسند

لشخص واحد حقا مرتين بموجب قانون واحد، وبموجب سبب واحد، وبموجب مرجعية واحدة.

            ولما كان التنزيل مرتبطا بالدفع في الفهم وعند التطبيق على النحو الذي استعرضناه، فإنني أستكمل

شرح مواد التنزيل بشرح مادة الدفع، الخاصة بذوي الرحم.

المحور الرابع

تحليل المادة 168 من قانون الأسرة

تنص المادة 168 على مايلي:” يرث ذوو الأرحام عند الاستحقاق على الترتيب الآتي:

أولاد البنات وأن نزلوا، وأولاد بنات الابن وإن نزلوا.

فأولاهم بالميراث أقربهم إلى الميت درجة، فإن استووا في الدرجة، فولد صاحب الفرض أولى من ذوي الرحم، وإن

استووا في الدرجة ولم يكن فيهم ولد صاحب فرض وكانوا كلهم يدلون بصاحب الفرض، اشتركوا في الإرث”

أالمصطلحات والمفاهيم

            إن الأقارب من الرحم، والذين نسميهم اصطلاحا بذوي الرحم، طبقات أربع وهي:

– الطبقة الأولى: وتشمل أولاد البنات، وأولاد بنات الابن وإن نزلوا، وهم الذين نسميهم بذوي رحم من الفرع.

– الطبقة الثانية: وهم الأجداد  الساقطون والجدات الساقطات، وهم الذين تربطهم علاقة رحم بالمتوفى.

– الطبقة الثالثة: وهم أولاد الأخت وبنات الأخ، وإن نزلوا.

– الطبقة الرابعة: وهم العمة، والخالة ، والخال وبنات العم.

            وهؤلاء جميعهم تتوسطهم بالمورث أنثى، ومن رحمها اتخذوا اسمهم.

            ويرث ذووا الأرحام في مذهب الإمام أبو حنيفة النعمان، تأسيسا على رأي جماعة من الصحابة رضوان الله

عليهم، ولا يرثون في مذهب الإمام مالك، ولكل مذهب أسبابه لا تتسع مساحة مقال لعرضها.

            وما يهمنا هنا هو ما أخذ به القانون الجزائري في المادة 168 الخاصة بذوي الرحم، حيث ورث الطبقة الأولى

منهم دون غيرها  من الطبقات الموالية.

            وفي مخطط هيكلي نحدد طبقات ذوي الرحم، وعلاقة كل طبقة بالمتوفى.

            مشيرين للطبقة الأولى المعينة بنص المادة 168.

المخطط الثاني

يبين طبقات ذوي الرحم

والقانون الجزائري لا يورث إلا الطبقة الأولى منها، طبقا للمادة 168 من قانون الأسرة.

 

بنت أخ

ابن وبنت أخت

خالة + خال

   المتوفــــى

ابن بنت

بنت بنت

عمة + بنت العم

جد لأم

(أب الأم)

        ن. محمد

الطبقـــــــــــــــة الأولى

توضيح: – أقارب من الفرع وهم: ابن البنت- بنت البنت وإن نزل، وهم الطبقة الأولى من ذوي الرحم.

          – أقارب من الأصل: وهم الجد للأم وإن علا، وهم الطبقة الثانية من ذوي الرحم.

            – أقارب من الحواشي:

                                     – من جهة الأخوة: وهم بنت الأخ، وابن وبنت الأخت، وهم الطبقة الثالثة.

                                    – من جهة العمومة: وهم العمة، وبنت العم، والخالة، والخال وهم الطبقة

                                 الرابعة من ذوي الرحم.

تنويـــــه/: بنت الأخ ليست وارثة ولايعصبها أخوها(المادة:153/الفقرة 3)،

بشرح المادة 168 من قانون الأسرة

            لقد جاءت المادة 168 بنفس صيغة المادة 171 الخاصة بشروط التنزيل، سواء من حيث اللغة، أو من حيث تداخل العمليات أو من حيث الفن التشريعي.

فالمادة: 168، تقرر في فقرتها الأولى إرث ذوي الرحم، محيلة على مادة الرد على ذوي الفروض التي سبقتها

 (المادة 167) لمعرفة مرتبة ذوي الرحم، المحددة في آخر جملة المادة 167.

            ومرتبة ذوي الرحم تأتي بعد أصحاب الفروص، والعصبة والرد، على أصحاب الفروض عدا الزوجين، بمعنى

أن مراتب الميراث تكون كالآتي:

  • المرتبة الأولى: ذوي الفروض.

  • المرتبة الثانية: العصبة.

  • المرتبة الثالثة: الرد على ذوي الفروض عدا الزوجين.

  • المرتبة الرابعة: الدفع لذوي الرحم.

  • المرتبة الخامسة: الرد على أحد الزوجين.

  • المرتبة السادسة: الخزينة العمومية.

            هذا مفهوم الفقرة الأولى من المادة 168.

            أما الفقرة الثانية، وهي مهمة جدا، لأن أحكام الفقرة الأولى مأخوذة من أحكام فقه الميراث، أما الثانية

فانها تتضمن حكما، وتحديدا لذوي الرحم.

            فالمشرع  في هذه الفقرة اختار وحدد الطبقة الأولى من ذوي الرحم، ومن يفهم أن باقي طبقات ذوي

الرحم يدخلون في مفهوم هذه المادة، فان فهمه مردود عليه بـــ:

                        1- أنه يتنافى ونص المادة 168 ذاتها.

                        2- ويتنافى ومرجعية ذات المادة، وكذا مرجعية القانون نفسه..

            لأن إرث ذوي الرحم جميعا مقرر في المذهب الحنفي، أما المالكية فلا يورثون ذوي الرحم أساسا، وإن أخذ

المشرع الجزائري وهو ذو المرجعية المالكية بالمذهب الحنفي، في هذه المسألة فإنه يكون قد أخذ بالحد الأدنى

من هذه الطبقات (الطبقة الأولى فقط)

                        3- ويتنافى ومرتبة ذوي الرحم في الميراث، لأنهم يحجبون الرد على الزوجين، فاذا احتسبنا ذوي

الرحم بطبقاتهم الأربعة ضمن نص المادة 168، فإننا نحرم وارثا من حقه المقرر له بذات المادة وهو الرد على أحد

الزوجين، كما نحرم وارثا هاما هو الخزينة العامة (بيت المال)،الذي يرث بعد ورثة المراتب الخمسة السابقة له في

الأولوية.

                     4- إن القول بأن المادة 222، تحيل على الفقه الاسلامي في ما لم ينص عليه القانون، مما يؤدي إلى

الأخذ بجميع طبقات ذوي الرحم، قول مردود عليه أيضا لأن:

                 أ- ذوي الرحم منصوص عليهم في المادة 168، تحديدا، فلا اجتهاد مع وجود النص.

                ب- وحتى إذا سلمنا بأحقية الرجوع الى الشريعة الاسلامية، فإن مرجعية القانون الجزائري هو المذهب

المالكي، دون غيره، وهذا هو المعمول به منذ الفتح الاسلامي الى اليوم، فإن أخذ المشرع بجزئية من مذهب آخر،

فلا يجوز توسيعها ولا فهمها على إطلاقها، ولا التعليل بها لتشريع أحكام غير منصوص عليها في التشريع ذاته.

               5- إن مادة الميراث جسم حساس وزرع عضو فيه، يتطلب دقة متناهية، والا فانه يؤدي الى هلاك الجسم كله.

            وأما الفقرة الثالثة: من هذه المادة (168) فانها تحدد مراتب وآليات إسناد الحقوق لذوي الرحم فيما بينهم

عند تعددهم، وتتضمن عمليات حسابية تبدو سهلة المنال ولكنها في الواقع معقدة، ويتطلب الأمر شرح كل كلمة،

وخاصة منها كلمة اشتركوا في الميراث، ولايدخل ذلك في موضوعنا، وتفصيله في الكتب يوفي بالغرض المطلوب.

            نخلص الى أن ذوي الرحم هم أولاد البنات، وأولاد بنات الإبن (وهم الطبقة الأولى من ذوي الرحم) كما أن

أولاد الابن هم المستحقين بالتنزيل دون غيرهم، ومن يرى أن لأولاد البنات الحق في التنزيل، فان قوله يؤدي الى

زعزعة أركان الميراث، والى الخلط في الأنساب، لأن المناب في الفريضة يخفي ظلاله هو علاقة النسب.

            وعليه فان أولاد البنات لا ذكر لهم في مواد التنزيل كلها.

            وأن المشرع ورث  أولاد البنات بالدفع بموجب المادة 168 باعتبارهم الطبقة الأولى من ذوي الرحم ولا يعقل

أن يرثو بالدفع، ويستحقوا بالتنزيل في آن واحد، وبموجب نصين في قانون واحد كما ذكرنا.

            كما يؤدي استحقاق أولاد البنات بالتنزيل الى استحقاقهم في اتجاهين:

            الاتجاه الأول:  في اتجاه قرابة النسب، بمعنى في علاقتهم بأبيهم.

            الاتجاه الثاني: في علاقتهم  بأمهم، بموجب التنزيل، ثم في علاقتهم بأمهم بموجب الدفع.

            وهذا توظيف لواسطة إرثية واحدة في موقعين مختلفين، دون إدراك للمعنى الحقيقي للنص.

            وأوضح هذا الأمر: أن أولاد الابن لهم أبوهم ويستحقون حقهم بالتنزيل إذا توفي أبوهم قبل أبيه وهذا

حقهم، فاذا ورثناهم مرة أخرى من جدهم للأم، لأن أمهم متوفاة قبل أبيها، وبموجب التنزيل أيضا، فان ذلك يؤدي

الى استحقاقهم مرتين بالتنزيل، فضلا عن الاستحقاق الأصلي بالدفع، مما يجعلنا في ريبة من أمرنا.

            بيد أن فهم مواد التنزيل في القانون الجزائري ، في اطار مواد الوصية الواجبة في القانون المصري، وتبعا

للمراجع المتوفرة في شرح هذا الموضوع، قد أدى الى لبس، في تحديد المستفيدين بالتنزيل، لدرجة الاختلاف في

الرأي بين المطبقين في الميدان، وحتى في الأحكام القضائية ، وفي الافتاء، مما استوجب النظر في المسألة،

والبت فيها بحكم يلزم الجميع.

المحور الخامس

موقف هيئات رسمية من تطبيق التنزيل

أولا: رأي هيئة التوثيق في منازعات التنزيل

            لقد صدر عن هيأة الموثقين تعليمة تحيل المستحقين بالتنزيل (الحفدة) على العدالة لاستصدار حكم

قضائي بأحقيتهم في التنزيل قبل طلبهم تحرير فريضة تتضمن أحقيتهم في التنزيل، على أن تحرر فريضتهم بناء

على حكم القضاء.

            وتعليمة كهذه مردودة بمايلي:

         1- إن هذا العمل تجاوز في الصلاحيات، لأن شرح القانون من اختصاص المحكمة العليا.

        2- إن مواد التنزيل تتضمن حقا مقررا للحفدة،لايسوغ لأي كان تعطيل التشريع، الابنص في التشريع.

        3- إن مواد التنزيل لم تتضمن إحالة تطبيقها الى تنظيم يصدر من أية جهة، أوإلى حكم قضائي.

        4- صيغة مواد التنزيل جاءت بالقطع، وبكلمة “وجب” في صدر المادة 169، وهذا الوجوب يسري على جميع

مواد التنزيل الأربعة (169-172) لأن تعطيل أية مادة منها يؤدي بالضرورة الى تعطيل اسناد الحق الذي جاء النص

بوجوب اسناده لصاحبه (الحفدة)

5- إن الحفدة المستفيدين من التنزيل يتامى، ضعاف، والقانون جاء لحمايتهم، وليس لزجهم في متاهات التقاضي

والخصام.

6- إن المبدأ العام في التقاضي يقضي بحرية الانسان في اللجوء الى القضاء، مما يؤدي الى تعليق نص جاء

بقاعدة آمرة على إرادة إنسان ، فينقلب النص الى قاعدة مفسرة اختيارية التطبيق.

7- إن  إحالة الحفدة على القضاء للمطالبة بأحقيتهم في التنزيل يجعلهم في مركز قانوني يتطلب منهم اثبات

ادعائهم، بأدلة قد تكون في ضفة المستحيل عليهم، فضلا عن الوقت، والتكاليف المطلوبة لذلك.

8- إن التنزيل وصية، والوصية تنفذ في حق الورثة، وتخصم من التركة، مما يؤدي الى تعطيل مصالح الورثة

جميعهم، لأن تعطيل نفاذ الوصية يؤدي ضمنا الى تعطيل نفاذ الفريضة.

9- إن اجراءا كهذا يزرع الضغينة في العائلات وفي المجتمع، لأن ثقافة التقاضي في المجتمع الجزائري تعكس

مشهدا أخر غير مشهدها الحقيقي.

10- إن إحالة الفرائض المتضمنة تنزيلا على القضاء يؤدي الى منحنى تصاعدي في عدد القضايا، في المحاكم،

لسبب غير قانوني، وبموجب جرة قلم من هيأة غير مختصة.

            وأختم بالقول أن علينا واجب الانصاف في حق اليتامى، فالنتق الله فيهم، خدمة لليتيم وللعدالة.

            ومن يدعي مساسا بحقه بموجب التنزيل، فإن القضاء يتولى الفصل في ذلك طبقا للقواعد العامة في

التقاضي.

ثانيا: فتوى لوزارة الشؤون الدينية

            لقد صدرت عن وزارة الشؤون الدينية فتوى بتاريخ 14 مارس 2010 تحت رقم 04، تقضي بأحقية الحفدة

(أولاد الابن) في التنزيل ومعهم الأسباط (أولاد البنت) في التنزيل أيضا، ونورد نصها كاملا بحرفيته،

دون تشخيص، كما جاء وهو كالآتي:

نص الفتوى:

                        الجمهورية الجزائرية الديمقراطية الشعبية

                                                                                          الجزائر في: 14 مارس 2010

        الرقم: 04

مديرية التوجيه الديني والتعليم القرآني

المديرية الفرعية للتوجيه الديني والنشاط المسجدي

                                                            السيد/ ك.م

الموضوع: فتوى حول الميراث

تحية طيبة وبعد،

            فجوابا على سؤالكم المتضمن إستفسارا حول جدتكم (أم أمك) التي توفيت عن:ستة من الورثة 2 أبناء و4 بنات، علما أن أمك توفيت قبلها أي في سنة 2007.

            المطلوب: هل يمكن أن ينزل أولاد البنت مقام أمهم؟

            الجواب:

            ان في الفقه الاسلامي اجتهادا يقول بمبدأ الوصية الواجبة، ومقتضى ذلك أن الأحفاد الذين يحجبون بالأعمام، يمكنهم أن يأخذوا من تركة جدهم أوجدتهم بمقتضى الوصية الواجبة أوالتنزيل.

            على أن الوصية الواجبة تعطى في حدود الثلث، وهي حق للطبقة الأولى من أولاد البنات، وللأولاد الأبناء وإن نزلوا، على أن يحجب كل أصل فرعه دون غيره من الفروع، ولها شروط أخرى معروفة في كتب الفقه والقانون.

            وبناء عليه، فإن الفقه الإسلامي يعطي لكم الحق في الوصية الواجبة، ويبقى على الجهات القانونية والقضائية المتخصصة تكييف المسألة وتطبيق القوانين المعمول بها في هذه القضية.

                                   والله تعالى أعلم

                                                 عن الوزير وبتفويض منه

                                      نائب مدير التوجيه الديني والنشاط المسجدي

                                                            ي.د

انتهي نص الفتوى

تحليل هذه الفتوى

نقرأ في هذه الفتوى العناصر الآتية:

العنصر الأول: إن عرض وقائع القضية الواردة في الفقرة الأولى بعد التحية، غير دقيقة فلولا ذكر تاريخ وفاة أم

السائل، وأنها توفيت سنة 2007، المذكورة بعد كلمة قبلها، ما استطعنا تحديد تاريخ وفاة جدة السائل وأنها توفيت

بعد سنة 2007.

أقول لولا ذلك ما أمكن لنا معرفة تاريخ وفاة المورثة في فريضتنا، مما يؤدي الى استحالة معرفة تاريخ افتتاح

التركة، ويؤدي ذلك إلى عدم  إمكانية تحديد القانون الواجب التطبيق على هذه الفريضة.

العنصر الثاني: إن الجواب عن السؤال يتكون من ثلاث فقرات:

الفقرة الأولى: لقد جاءت هذه الفقرة مختصرة ومركزة، وموافقة لأحكام الوصية الواجبة(التنزيل) بذكر كلمة:

“الأحفاد” في هذه الفقرة دون غيرهم.

الفقرة الثانية: وقد جاءت موافقة لأحكام الوصية الواجبة في القانون المصري، دون الجزائري.

أما الفقرة الثالثة: وهي المهمة لأنها تقرر حكم الفقه الإسلامي في القضية، وتسند الحق للسائل وهو إبن بنت

المورثة وقد توفيت هذه البنت قبل أمها (حسب السؤال)، وذلك على لسان وفي موقع الفقيه في الفقه

الإسلامي.

وفي آخر هذه الفقرة الأخيرة تحيل الفتوى الأمرعلى الجهات المختصة لتطبيق القوانين.وبين الحكم الوارد في صدر

هذه الفقرة، والإحالة الواردة في آخر هذه الفقرة ذاتها نقرأ ضمنا (وبين السطور) قرار المفتي بالإحالة على

التنفيذ.

رأينا في هذه الفتوى

  • من حيث الشكل: إن هذه الفتوى صادرة عن مصلحة (مديرية) ضمن الجهاز التنفيذي لوزارة الشؤون الدينية،مما يجعلها معرضة للرد شكلا، بسبب صدورها عن هيأة غير مختصة، بالإفتاء.

  • من حيث الموضوع: إن محتوى هذه الفتوى يطابق تماما القانون المصري الذي يحدد المستفيدين من الوصية الواجبة (التنزيل عندنا) بأولاد الأبناء ومعهم الطبقة الأولى من ذوي الرحم (اولاد البنات).

            أما في القانون الجزائري فإن أولاد الأبناء وحدهم، هم الذين يستحقون بالتنزيل بموجب المواد من 169 إلى

172 ، لأن أولاد البنات ليسوا حفدة، ولكنهم أسباط.

            ولايستحقون بالتنزيل شيئا، ولكنهم يرثون بالدفع بموجب المادة 168 من قانون الأسرة.

  • إن الميراث علم من العلوم الدقيقة وليس علما إجتماعيا نبحر فيه بأراء، ونظريات، وفتاوى.

        إنه علم محاط بثواب وعقاب، قال عز وجل بعد آيات المواريث تلك حدود الله، في الآية الكريمة : “تلك حدود الله

ومن يطع الله ورسوله يدخله جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها وذلك الفوز العظيم” الآية 13 من سورة

النساء.

            4- أختم موضوع هذه الفتوى برأي – إن كان يحق لي الرأي – فإني اقول ان الإفتاء عملية دقيقة تتطلب

العلم الكلي (الاختصاص) بموضوع الفتوى، وبالأداء النزيه، ولا يكون ذلك إلا من المشهود لهم بهذه الدرجة.

لأن أثر الفتوى عميق في المجتمع، بحكم موقع أهل الإفتاء في سلم درجات العلم، والاستقامة.

ثالثا: موقف إجتهاد المحكمة العليا

       صدر عن المحكمة العليا (غرفة الأحوال الشخصية) قرار، بتاريخ : 10 -09- 2008 رقم الملف: 454037، رقم

الفهرس 00921/08 يخص قضية تتضمن “التنزيل” ، (وهو غير منشور).

            أبدأ بالقول أنني لست في الاختصاص لأنظر إلى القرار من الناحية التقنية، أوالإجرائية، ولكني أحاول

تحليله من منظوري علم الميراث، ومواد التنزيل في القانون الجزائري.

تـــــــــــعـــــلـــيــــل

الحفدة اصطلاحا هم أولاد الابن دون أولاد البنت الذين يسمون أسباط .

وكلمة “احفاد” الواردة في نص المادة 169 من قانون الأسرة، لا تشمل اولاد البنت لأن اولاد البنت يرثون بالدفع

وبموجب نص المادة 168 من نفس القانون.

     ـ وجملة des descendant d’un fils ، في النص الفرنس للمادة 169 واضحة ودقيقة في تحديد الحفدة بأولاد

الابن دون اولاد البنت، الذين سمتهم المادة 168 في نصها الفرنسي باسمهم هكـــــــذا:  les enfants des filles

وفي جدول سابق عقدنا مقارنة بين الأحفاد والأسباط حيث يفترقان في الاصطلاح، وفي التأصيل، وفي النسب،

وفي سبب الإستحقاق، وفي النصوص القانونية، وفي المرجعية الفقهية.

            أما كلمة امهم الواردة في نص المادة 172 من قانون الأسرة، وهي التي اعتمدها القرار المذكور في

التسبيب فإنها تعود على ام الحفدة التي انجبتهم من ابيهم، ولا تعود على بنت جدهم التي هي عمتهم، وشقيقة

أبيهم، وذلك في تحديد علاقة نسب الحفدة بأمهم، اذا لا يعقل ان تكون عمتهم هي امهم (راجع المخطط الأول من

هذا المقال)، ومن أجل تفادي هذا المشهد، يقول الشيخ أحمد حماني ـ رحمه الله ـ أن من يقولبتنزيل أولاد البنت

عليه أن يستر رأيه حياء(1).

أما الأم الواردة في كلمة امه (في ذات المادة) فإنها تعود على ام ابيهم ، وهي جدتهم للأب.

أما اولاد البنات فانهم مذكورين ومحددين بالاسم، والسند، والصفة في المادة 168 من قانون الأسرة، التي ورثتهم

بطريق الدفع على انهم ذوي الرحم وحدهم دون غيرهم من طبقات ذوي الرحم الأخرى.

ولا نقرا في المادة 168 كلمة “الأم” اطلاقا، بسبب ان المادة تقرر حق لذوي الرحم بطريق الدفع والدفع ميراث

مستمد من الفقه كما راينا عند تحليل هذه المادة.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

  • ـ راجع فتوى فضيلته الصادرة بتاريخ:19 أفريل

            وأحكام الميراث لا شروط فيها غير قيود قواعد الحجب، وموانع الميراث المعروفة في الشريعة الإسلامية .

اما التنزيل فانه وصية بموجب القانون مصدرها القانون ذاته ومرجعية القانون فيها الإجتهاد الفقهي.

وفي الوصية يحق للمشروع ان يضع شروطا لها تطبيقا لشروط الوصية ذاتها المستمدة من الشريعة الإسلامية،

وهذا ما فعله المشرع الجزائري في مواد التنزيل، اما في الميراث فان المشرع لم يقيد قواعده في القانون

كله.

ونخلص الى أن اولاد الابن (الحفدة) ليسوا ورثة ، ولكنهم يستحقون حقا مقررا لهم بموجب وصية القانون. وان اولاد

البنت، واولاد بنات الابن يرثون (ولا اقول يستحقون) منابهم بالدفع بصفتهم ذوي رحم.

ونلخص خاصة الى ان اولاد البنت لا ذكر لهم في مواد التنزيل كلها، وحقهم يرثونه بالدفع لا بالتنزيل، ولا يعقل ان

يورثهم مشرع واحد في قانون واحد مرتين بنص واحد وفي تركة واحدة وبواسطتين مختلفتين في السبب والمرجعية.

واختم – مستعينا بالله بما قاله سيدنا عمر رضي الله عنه وارضاه ، عندما قضى في عامه الثاني بخلاف ما قضى به في عامه الأول في المسألة المشتركة(1)

       ولما سئل عن ذلك قال رضي الله تعالى عنه : ” تلك على ماقضينا، وهذه على ما نقضي”.وقد قال ذلك رضي

الله تعالى عنه وارضاه ، وهو في موقع القاضي الأول لهذه الأمة.وللعلم فان سيدنا عمر رضي الله عنه كان شغوفا

بالفرائض الى حد ان له رأيا في سبع مسائل ، عدل عن رايه في المشتركة، وفي الكلالة ، وفي مسالة الجد مع

الإخوة.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) ـ وهي المسألة المنصوص عليها في المادة:176، من قانون الأسرة.

خــــــاتـــــمــــــــة

        وفي خاتمة الدراسة أحرص على وجوب الاعتناء بعلم الميراث الذي لا يتضمن مسائل حسابية نحدد فيها من

يرث وماذا يرث – كما نعتقد- ولكنه علم من العلوم الدقيقة في منهجيته  وفي عدالته، وفي وسطيته، وفي

استقراره وفي مرجعيته، وفي الوحي الذي انفرد بهذا العلم دون غيره، وفي إعجازه.

والمسؤولية تجاه علم الميراث مشتركة، انطلاقا من المشرع فالمطبق الى ان نصل الى القضاء.

ومن أجل تحمل هذه المسؤولية الثقيلة ، ومن اجل أدائها أداء يليق بعظمة وهيبة المادة، وجلال إكرامنا بالتشريع

الرباني فيها فإني أرى:

1- وجوب توخي الدقة في التشريع والحرص على التعديل و/أو تنقيح ما تفرزه مسائله التطبيقية من عدم ملائمة

نصوصها القانونية لروح علم الميراث أولا، ولمقتضيات العدل ثانيا.

2- وجوب الحرص من المطبقين ووجوب التأكد من شرعية ، وقانونية اسناد المناب لوارث معين على محوري تحديد

الورثة تحديدا لا يقل الجدل ، وتحديد المناب الذي يستحقه بالضبط ، لأن الخطأ في اسناد المناب يؤدي إلى عدة آثار

وخيمة منها :

ـ اسناد الحق لمن لا يستحقه .

ـ حرمان صاحب الحق من حقه.

ـ فتح باب الخصومات ، والضغائن.

ـ مخالفة القانون في التطبيق وما يترتب عنه من مسؤولية.

ـ مخالفة امر الهي بنص في القرآن الكريم وما يترتب عنه من جزاء.

3 – وجوب الحرص – خاصة – من طرف القضاء ، لأن الحكم القضائي يعني الحقيقة التي لا تقبل الجدل، ويؤدي ذلك

الى إضفاء الحجية والشرعية على عمل مخالف للشرعية ذاتها.ومن تاريخ القضاء الإسلامي في هذه المادة بالذات نتعلم كيف كان الخلفاء الراشدون والقضاة يتعاملون مع قضايا الميراث.

انهم جميعا، وعلى مر العصور يولونها اهمية قصوى، فهي المادة الوحيدة التي كان سيدنا عمر رضي الله عنه

وارضاه يسافر الى الشام من اجل البت في مسائل الميراث دون غيرها من المنازعات، كما كان القضاة يمتحنون

فيها أمام خلفية المسلمين.

4 ـ  لقد كرمنا المولى عزوجل بالتشريع في هذه المادة بالذات لأنه سبحانه وتعالي يعلم أن الفكر البشري محدود،

وأن النفس الإنسانية أمارة بالسوء، ولايمكن أن يستقرفكر بشر على رأي في الميراث، وموضوع التنزيل مثال حي

لذلك، فقد اختلفنا مع وجود النص المقنن، فكيف يكون الأمرلوكان الميراث كله متروك لتقنين البشر.؟

أختم بكلمة عن الميراث فأقول: إنه علم بلذة بحث، وطريق محاط بثواب وعقاب .

جعلني الله واياكم من المثابين بهذا العلم.

                                 والله أعلم

                                                        أ.  صالح ججيك الورثلاني

                                                                      الموثق

 

 

 

 

 

الـــــــمـــــلحــــــــق

            صدر كتاب بعنوان: التنزيل في القانون الجزائري، للدكتور/ دغيش أحمد ، ورد فيه رأي للمؤلف في حصر

المستفيدين من مواد التنزيل في القانون الجزائري، حيث وسع دائرتهم لتشمل اولاد الأبناء، واولاد البنات على حد

سواء، منتقدا من كتب قبله بأسلوب كاتب متعال، كاتب يصادر راي غيره، كاتب يملي ويفرض على غيره الراي (1)

ولهذا الدكتور اقول:

                        ان للبحث العلمي شروطا لا يمكن ان نقف على الحقيقة العلمية ان لم نؤمن بها ، ان لم تحترمها إن

لم نتقيد بها، وان لم نعمل بها.

الأول: التواضع للمعلومة، ولمصدر المعلومة .

الثاني: البحث المستمر في الموضوع، وقد يستغرق سنيين .

الثالث: العمل بمقاييس البحث العلمي الموضوعي،من تعدد المصادر، الى الدقة في النظر،مرورا بالتجريد،

والابتعاد عن الرؤية الذاتية، ناهيك عن الأنانية التي تعد سرطان البحث.

الرابع: الكتابة بأسلوب ، وبلغة بعيدة عن الاشمئزاز والاستفزاز.

الخامس: شرط الاختصاص، والعلم الكلي(ولا أقول المطلق) والمقارنة ، وغيرها من ادوات البحث العلمي النافع

، واخص بالذكر آليات الإسناد.

أعود إلى موضوعنا : التنزيل

وأتناوله باختصار شديد فأقول:

التنزيل ليس ميراثا، ولكنه وصية بموجب القانون، مرجعتيه راي لابن حزم الظاهري، واجتهاد للشيخ علي

الطنطاوي، الذي استطاع ان يقـــــــــنع البرلمان المصري

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

الصفحات من/144  ـ 149، من كتابه هذا.

بالتنصيص عليه في القانون ليصبح التنزيل “الوصية الواجبة عندهم” لأول مرة استحقاقا قانونيا للحفدة، وقد اخذت

به جل القوانين لاحقا.

وفي القانون الجزائري،الصادر في: 9 جوان 1984 ، اخذ المشرع الجزائري بالتنزيل في المواد : 169 الى 172 .

على اختلاف في المستنفدين من احكام التنزيل بين القانون المصري، والقانون الجزائري، بسبب اختلاف المرجعية

التي اعتمدها المشرع المصري، عن المرجعية التي اعتمدها المشرع الجزائري.

 حيث أن:

 – مرجعية القانون المصري هي المذهب الحنفي الذي يورث طبقات ذوي الرحم كلها.

– ومرجعية القانون الجزائري، المذهب المالكي، الذي لا يورث اية طبقة من طبقات ذوي الرحم.

وعليه فقد وسع القانون المصري المستفيدين من الوصية الواجبة لتشمل أولاد الأبناء ، وأولاد البنات على حد سواء

(في المادة : 76 ومايليها من قانون الوصية رقم 71 لسنة 1946) ليفسح المجال لطبقات ذوي الرحم الأخرى لكي

يورثها بالدفع على انهم من ذوي الرحم جميعا.

     أما القانون الجزائري فقد نص في المادة : 168 أسرة على ان ذوي الرحم هم اولاد البنات واولاد بنات الابن، وان

نزلوا(دون غيرهم)، وهي الطبقة الأولى من ذوي الرحم، وقد نص عليهم بالاسم والسند، فلا اجتهاد مع النص.

            وحصر في المواد من:169 ـ 172 ، المستفيدين من التنزيل فجعلهم أولاد الأبناء دون غيرهم.

            وحججنا في ذلك نستخلصها من المقارنة بين اولاد الأبناء ، واولاد البنات في الجدول السابق المذكور في

المحور الأول من المقال، فضلا على ان المشرع حر فيما يشرع، ويستمد حريته من استقلالية سلطته ولايمكن ان

نتهمه بانه يسند حقا واحدا، لشخص واحد،بموجب قانون واحد مرتين، وهذا ما لم يحدث في التشريع المقارن،

وعبر الأزمنة .

            فكيف نقول ان المشرع الجزائري ورث اولاد البنات بالدفع في المادة 168 من قانون الأسرة، وادخلهم مع

اولاد الأبناء ليستحقوا بالتنزيل في المواد من 169- 172 من ذات القانون؟

            وللعلم اقول ان باب الميراث اقوى وأوسع من باب التنزيل فالوارث قد يرث التركة كلها اذا استحق وكان منفردا.

            أما المستفيد من التنزيل فانه لا يكمن أن يتجاوز حقه ثلث التركة بأي حال، لأن التنزيل وصية وحد الوصية

الثلث فلا يكمن ان يدخل شخص واحد من بابين (باب الميراث ، وباب الوصية) ليجلس في مجلس الاستحقاق على

مقعدين.

وللحقيقة اقول ان المشرع الجزائري في مادة الميراث من ادق المشرعين في التشريع المقارن.

ونرفع اللبس بين اولاد الأبناء واولاد البنات بالمقارنة بينهم وبالمقارنة ايضا بين القانون الجزائري والقانون المصري

في ذات الوقت، وذلك في الجدول السابق المذكور في المحور الأول من هذا المقال.

ومنه يتبين ان اولاد الأبناء هم الحفدة وحدهم في القانون الجزائري، اما أولاد البنات فهم ذوي رحم في ذات

القانون.

أما في القانون المصري فان المنزلين هم اولاد الأبناء واولاد البنات معا واما ذو الرحم عندهم فهم الطبقات اخرى

من ذوي الرحم.

أختم بكلمة عن التأليف في الميراث اقول:

إن الكتابة والتأليف في علم الميراث يتم تحت ظل شجرة أغصانها:

– الوحي الكريم.

– السنة الشريفة (القولية والفعلية)

– العلم بفروعه: الطبيعية – الرياضيات – الاجتماع، فضلا عن التمكن من المادة في حد ذاتها.

– الحب الشديد للمادة.

– الحرص الشديد على خدمة الحقيقة العلمية.

 وخاصة الخوف الشديد من الخطأ، قال تعالى بعد آيات الميراث: “تلك حدود الله”.

   – ومن تحت هذه الشجرة اقف داعيا – لأقول قولا ما كنت اود قوله لباحث في الميراث : ان ماكتبه الدكتور/دغيش

احمد عن التنزيل في كتابه التنزيل في القانون الجزائري جيد جدا اذا كنا نلعب في ملعب القانون المصري، وهو

فيه مصري حتى النخاع اما في ملعب القانون الجزائري فاني أقولها له وبلهجة المصريين ” شاهد ماشافش حاجة

” وعلى من ركب جادة الخطأ ان يعود الى جادة الصواب.

                                                                                              والله أعلــــــــــــــــم

                                                                                              الأستاذ صالح ججيك الورثلاني

عن المحامي